«أقيم لأجل تبريرنا»
(رو 25:4)
(7) القيامة وارتباطها بإيمان الخلاص
«لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت» (رو 9:10)
الرسول بولس في هذا الأصحاح (رو 10) مقابلة بين الناموس والإنجيل، وبين الأعمال والإيمان. ويُعلن أن الغاية التي قصدها الله من إعطاء الناموس هو أن يقودنا للمسيح لنتبرر بالإيمان «لأن غاية الناموس هي: المسيح للبر لكل مَنْ يؤمن» (ع 4). فالناموس يثبت أن الخطايا التي يفعلها الإنسان هي تعديات على وصايا الله ويدينها (غل 19:3)، والناموس يُقنع الإنسان بأنه خاطئ هالك وأنه عاجز تمام العجز على إنتاج بر الله (رو 7:7-9)،، ثم يقوده إلى المسيح ليتبرر بالإيمان «إذاً قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح، لكي نتبرر بالإيمان» (غل 24:3).
«لأن موسى يكتب في البر الذي بالناموس: إن الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها» (ع 5)، على أنه لم يوجد قط مَنْ استطاع أن يفعلها ويحفظ الناموس، لذلك لم يوجد قط مَنْ استطاع أن يحيا بها. «وأما البر الذي بالإيمان فيقول : ..» ويطلب منا أن نؤمن (ع 6)، ويعلن أن الخضوع لكلمة الله هو الأمر المهم. والإنجيل لا يُخبر الناس أن يعملوا ما هو مستحيل بشرياً أو أن يقوموا بعمل ما كان الرب قد عمله. فماذا إذاً يقول الإنجيل؟ وما هي كلمة الإيمان هذه التي نكرز بها؟ (ع 8). يمكننا أن نرى فحواها في عددي 9،10 «لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت. لأن القلب يُؤْمَن به للبر، والفم يُعترَف به للخلاص».
ولكي يبرهن الرسول على أن لغة الإيمان تختلف كل الاختلاف عن لغة الناموس، يقتبس من سفر التثنية 30 «إن هذه الوصية التي أوصيك بها اليوم ليست عسرة عليك ولا بعيدة منك. ليست هي في السماء حتى تقول: مَنْ يصعد لأجلنا إلى السماء ويأخذها لنا ويُسمعنا إياها لنعمل بها؟ ولا هي في عبر البحر حتى تقول: مَنْ يعبر لأجلنا البحر ويأخذها لنا ويسمعنا إياها لنعمل بها؟ بل الكلمة قريبة منك جداً، في فمك وفي قلبك لتعمل بها» (تث 11:30-14).
والأمر المهم أن هذه الأعداد في مكانها ضمن سفر التثنية لا تشير إلى الإيمان والإنجيل إطلاقاً. إذ أنها تتكلم عن: كلمة الناموس، وبالأخص الوصية التي تأمر الإنسان أن ارجع «إلى الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك» (تث 10:30). والله يقول إن الناموس ليس مخفياً ولا بعيداً أو صعب المنال، ولا يحتاج الإنسان أن يصعد إلى السماء أو أن يعبر البحار ليجده، فهو قريب جداً وينتظر أن يُطاع.
ويقتبس الرسول هذه الكلمات في رومية 10 ويطبقها على الإنجيل، ويقول إن لغة الإيمان لا تتطلب من الإنسان أن يصعد إلى السماء ليُحدر المسيح (ع 6) فهذا أمر عسر المنال، كما أنه غير ضروري لأن المسيح كان قد نزل فعلاً، طواعية واختياراً، إلى الأرض، في تجسده. كما أن الإنجيل لا يطلب من الناس أن ينزلوا إلى القبر ليُصعِدوا المسيح من الأموات، بعدما مات على الصليب ودُفن في القبر (ع 7). إذ أن هذا الأمر مستحيل، كما أنه عمل غير ضروري لأن المسيح كان قد قام فعلاً من بين الأموات.
وهكذا يُشير الرسول في رومية 6:10،7 إلى الأمرين الذين يستصعب اليهود أن يتقبلوهما ألا وهما تجسد الرب يسوع المسيح وقيامته من بين الأموات. إلا أنه ينبغي لليهودي (وأيضاً للأممي بالطبع) أن يتقبل هاتين الحقيقتين إن كان يريد أن يخلص. وسنرى أيضاً هاتين الحقيقتين في عددي 9،10.
فليس الأمر متوقفاً على ما يقوله الإنسان في قلبه ولا على ما يعمله، لأن الأمر فوق مقدور الإنسان وفوق متناول يده، وقد فعله الله بالتمام ولا يهم أن تكون النفس هنا أو هناك أو في أي مكان «فالكلمة قريبة منك» بحيث لا يمكن أن تكون أقرب من ذلك، وأي شيء أقرب لك «من فمك .. ومن قلبك»؟! (ع 8). فلسنا في حاجة لأن نقتحم شيئاً في سبيل الوصول إليها، ولا حاجة "للأيادي أو الأقدام" في هذه المسألة المهمة والمباركة. فالقلب والفم فقط هما المختصان بهذا الموضوع، وعليهما أن يتحركا.
«لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت» (ع 9). هذا العدد هو المختصر المفيد:
فأولاً: عليك أن تقبل حقيقة التجسد وتؤمن أن الشخص الذي وُلِدَ في مزود بيت لحم هو رب الحياة والمجد، وأن «يسوع» -تبارك اسمه- الذي في العهد الجديد هو الرب «يهوه» في العهد القديم "الكائن بذاته" أو "الدائم الكينونة" أو "الواجب الوجود". وعليك أن تقر بربويته وسيادته على حياتك.
ثانياً: ينبغي أن تتقبل حقيقة قيامته0 بكل ما تتضمنه القيامة من نتائج. لقد أقامه الله من بين الأموات كبرهان أنه -له كل المجد- قد أكمل العمل الكامل الكافي لخلاصنا، وأن الله قد سُرَّ واكتفى بعمله.
والإيمان بهاتين الحقيقتين بالقلب يعني أن يصدقهما الإنسان بعقله وعواطفه وقواه الإرادية، وهذا هو "إيمان الخلاص"، الإيمان الإلهي الحيّ العامل في القلب بالروح القدس والذي يربط النفس بالمسيح بطريقة إلهية برباط أبدي لا تنفصم عُراه بأي حال من الأحوال. فأنت لا تحتاج إلا إلى الإيمان بالقلب والاعتراف بالفم، لكي تنال الخلاص في الحال.
ونلاحظ أن الرب يسوع المسيح يضع أهمية كبرى على اعترافنا به قدام الناس «لأن القلب يُؤْمَن به للبر، والفم يُعْتَرَف به للخلاص» (ع 10). «القلب يُؤْمَن به للبر» وهذا ليس مجرد موافقة عقلية، بل قبول وإيمان صادق بكل ما في كيان المرء الداخلي. وعندما نؤمن بالمسيح، بالقلب، كالمُقام من الموات، نتبرر في تلك اللحظة أمام الله (قارن من فضلك رو 25:4).
وبعد ذلك «الفم يُعترف به للخلاص» أي أن المؤمن يعترف علناً بالخلاص الذي قبله. والاعتراف ليس شرطاً للخلاص ولكنه تعبير خارجي لا بد منه مما قد حدث، لأنك إن آمنت بالرب يسوع المسيح فعليك أن تتكلم عنه وتعترف به.
وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل ف. ب. هول:
"الخلاص كلمة لها معنى واسع جداً وتتضمن الإنقاذ الإلهي من كل ما ترتب على الخطية من نتائج مرة وتشمل الإنقاذ من الانتساب لهذا العالم الحاضر الشرير (غل 4:1) ومن أمور أخرى. ونحن بالحقيقة خلصنا أو أُنقذنا من سلطان العالم والجسد والشيطان، لكن أول خطوة نحو خلاص مثل هذا هي خطوة الاعتراف بالمسيح كسيد ورب، اعترافاً علنياً مسموعاً في آذان الناس. أما الاعتراف الصامت بالمسيح في الفكر أو بالذهن فهذا لا يسمعه الناس. وإن لم يكن هناك اعتراف بالمسيح رباً بالفم فلا نستطيع أن نتكلم عن الخلاص، كما قال ربنا يسوع المسيح «مَنْ آمن واعتمد خَلَص» (مر 16:16). فواضح جداً أن الرسول في هذا الفصل (رو 10:10) يُميِّز بين إيمان القلب الذي به نصل إلى التبرير أمام الله وبين الاعتراف بالفم الذي به نصل إلى الخلاص. وهما وجهان لشيء واحد".
وهنا يمكن إثارة السؤال: لماذا يأتي الاعتراف أولاً في رومية 9:10 وبعد ذلك الإيمان؟ .. ويجيبنا خادم الرب الفاضل وليم مكدونالد فيقول:
"الجواب ليس صعب المنال. ففي العدد 9 كان التشديد على التجسد والقيامة وقد ذكرت هاتان الحقيقتان بتسلسلهما التاريخي؛ فالتجسد جاء أولاً: يسوع هو رب، وبعد ذلك القيامة: الله أقامه من الأموات. أما في العدد العاشر فالتشديد على ترتيب الأحداث في خلاص الخاطئ، فأولاً هو يؤمن وبعد ذلك يعترف بخلاصه علناً".
إذاً لا بد من الاعتراف بالفم. وكثيرون يرغبون أن يخلصوا بالمسيح ولكنهم ينفرون من عار الاعتراف باسمه الثمين. وهم يودون أن يذهبوا إلى السماء عندما يموتون، ولكنهم لا يرغبون في الاتحاد بالمسيح المرفوض وهم على قيد الحياة. ومما لا شك فيه أن الله لا يرضى بذلك قط لأنه يتطلع ويطلب اعترافاً صريحاً تاماً بالمسيح أمام العالم الذي أظهر له كل عداء. والمسيح ربنا أيضاً ينتظر هذا الاعتراف منا بكل شجاعة. ولقد قال -له كل المجد- «فكلَّ مَنْ يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السماوات، ولكن مَنْ ينكرني قدام الناس أُنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السماوات» (مت 32:10،33 قارن من فضلك مر 38:8؛ لو 8:12؛ 2تي 12:2؛ 1يو 23:2؛ رؤ 8:3).
وقد أظهر اللص التائب وهو فوق الصليب هذين الفرعين الرئيسين للإيمان الحقيقي الذي يخلِّص، فآمن بقلبه واعترف بفمه. نعم، فهذا اللص استطاع -بنعمة الله- أن يخالف العالم بأسره مخالفة تامة في أهم موضوع حيوي عُرض أو يمكن أن يُعرض ألا وهو المسيح. فقد كان هذا اللص تلميذاً مخلصاً للمسيح، وقد جاهر واعترف بما يكنه قلبه من إيمان صحيح وثقة وطيدة، فاعترف بلاهوت المسيح وربوبيته وآمن بقيامته من بين الأموات وبمجيئه ثانية ليؤسِّس مُلكه «ثم قال ليسوع: اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك» (لو 42:23).
آه، يا ليت يوجد كثيرون من أمثال هذا اللص التائب!!
(يتبع)