عدد رقم 6 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
عكسة   من سلسلة: شابات الكتاب المقدس

تحدثنا في العدد السابق عن عكسة ابنة كالب، ورأينا الخلفية التقوية التي نشأت في رحابها، وكيف تعلمت تقدير أمور الله من أبيها.

ونتوقف في هذا العدد لنتحدث عن عكسة الزوجة، إذ إنها صارت زوجة لعثنيئيل بن قناز، الذي صار فيما بعد المُخلِّص الأول للشعب، والقاضي لهم أيضًا.

ولقد تعلمنا في ما سبق كيف كان كالب بركة لشعب الله عامة، ولسبط يهوذا خاصة، لكنه كان بركة بصورة أوضح لعائلته، كما سنرى الآن.  إن إيمانه الجسور شجع عثنيئيل فحارب وانتصر أولى انتصاراته تحت إشراف عمه، كما سنوضح في هذا العدد، ومطالبته الجسورة حفزت ابنته عكسة على الطلب، ففي يشوع 14 نجد كالب يطالب بحبرون، وبعد ذلك مباشرة في يشوع 15 نقرأ عن ابنته عكسة أنها هي أيضًا مطالبة.  وهو ما سنتوقف عنده في العدد القادم بمشيئة الرب.

إذًا فلقد أثر كالب تأثيرًا تقويًا على كل أفراد عائلته، إيمانه للحرب والانتصار حَفَّز الآخرين للاقتداء به، وهو ما نراه في ابن أخيه عثنيئيل.  وتقديره لميراث الله والمطالبة به، حفز الآخرين على الامتلاك، وهو ما نراه في ابنته عكسة، إذ تعلمت البنت من أبيها.

لقد امتلك كالب مدينة الخليل، لاعتزازه بإبراهيم خليل الله.  ومع أن إبراهيم هو أبو المؤمنين جميعًا (رو4: 16)، ومع أنه كان عملاقًا في كل من حياة الإيمان والشركة مع الله، إلا أن تأثُّر عثنئيل بعمه كالب، كان أفضل كثيرًا من تأثر لوط بعمه إبراهيم. وأما امرأة عثنئيل (والتي هي عكسة موضوع حديثنا) فما أبعدها عن امرأة لوط؛ الواحدة حتى اليوم ذكرها للبركة، بينما الأخرى ذكرها ينخر (أم10: 7).

وعثنيئيل الذي صار زوجًا لعكسة معنى اسمه "أسد الله". وأسد الله هذا قبل أن ينتصر لحساب شعب الله، فقد انتصر لنفسه.  فلقد َقَالَ كَالِبُ: «مَنْ يَضْرِبُ قَرْيَةَ سِفْرٍ وَيَأْخُذُهَا أُعْطِيهِ عَكْسَةَ ابْنَتِي امْرَأَة. فَأَخَذَهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخُو كَالِبَ.  فَأَعْطَاهُ عَكْسَةَ ابْنَتَهُ امْرَأَةً».

وبداية نلاحظ أن كلاً من كالب وعثنيئيل خاضا حرباً لامتلاك قرية في أرض عمانوئيل: كالب الأب امتلك «قرية أربع»، وعثنيئيل الزوج امتلك «قرية سِفر».  وهناك ارتباط بين المعنى الروحي للمدينتين، فقرية أربع سميت كذلك على اسم الرجل الأعظم في العناقيين، بينما قرية سفر تعني قرية كتاب.  إذًا فنحن في قرية أربع نجد تعظيم الإنسان، وفي قرية سِفر نتقابل مع أفكار الإنسان.  والكتاب المقدس يقرن بين عظمة الإنسان الفارغة وأفكاره الباطلة معًا في 1كورنثوس 2: 6-8.  لكن أي مكان يليق بعظمة الإنسان، أو حكمة الإنسان إلا صليب المسيح.  إنهما ممثلان في شريعة البقرة الحمراء بالأرز والقرمز، اللذين مكانهما في وسط حريق البقرة الحمراء.  إن كتب البشر نجد فيها تعظيمًا للإنسان، لكن لا مجال إطلاقًا لهذه العظمة عند الله، بينما الكتاب المقدس الذي يحوى أفكار الله، لا نجد فيه تعظيمًا لشخص سوى الرب يسوع المسيح وحده. 

لكن ليس فقط كل من كالب وعثنيئيل امتلك مدينة، بل إن كلاً منهما خلع على المدينة اسمًا جديدًا.  فلما امتلك كالب قرية أربع دعاها «حبرون»، ولما امتلك عثنيئيل قرية سِفر دعاها «دبير». 

لقد كان اسم دبير قبلاً قرية سِفر، أي قرية "كتاب"، وكانت هذه القرية تحت سيطرة العدو، لكن من يريد أن يحرر شعب الله من الأعداء، وهو ما فعله عثنيئيل بن قناز بعد ذلك، إذ حررهم من عبودية ملك أرام النهرين، يجب أن يبدأ بأن يمتلك الكتاب، وأن يحرره من الأعداء.  وبعد ذلك عليه أن يحول هذا الكتاب من مجرد كتاب، ليصبح أقوالاً يحيا على هديها ويعيش بموجبها. أي أن هذا الكتاب العظيم الذي هو في نظر الكثيرين كتاب قديم، يصبح أقوال الله الحي، وبالتالي تصبح تلك الأقوال أقوالاً حية (أع7: 38)، أو بلغة الرسول بطرس «كلام الحياة الأبدية» (يو6: 68)، ويكون ذلك بمثابة الخطوة الأولى للانتصار على العدو. 

ولعلنا نتعلم الدرس الروحي عينه من أسد الله الحقيقي ربنا يسوع المسيح، ذاك الذي أحرز النصرة النهائية على قوى الشر، والذي حرر شعب الله من عبودية الخطية والشيطان. لقد كانت أولى انتصارات المسيح عندما جُرب من إبليس في البرية، وهناك نرى تقديره العجيب لكلمة الله.  لقد كانت كل إجاباته على المجرِّب من المكتوب، وكانت أولى تلك الإجابات: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (مت4: 4).  فهلا أخذنا لأنفسنا الدرس والعبرة من قدوتنا العظيم ربنا يسوع المسيح؟

ولقد كان هناك حافز عند عثنيئيل لخوض هذه المعركة.  فلقد كان طموح كالب عظيمًا كعادته، وتقديره لابنته عكسة كبيرًا، وله الحق في ذلك - كما سنرى في حينه.  ولذا أراد كالب أن يزوج ابنته ليس فقط برجل من شعب الله، ولا حتى برجل من السبط ذاته، بل برجل شجاع ومقدام، فقال إن الذي يأخذ قرية سفر، أعطيه عكسة ابنتي امرأة.  ولقد كان الفوز بعكسة بنت كالب يمثل حافزًا أمام عثنيئيل.  وعليه فقد حارب عثنيئيل وانتصر، وبعد الحرب والانتصار امتلك عثنيئيل كلاً من المدينة والمرأة.

والمباينة هنا -مرة أخرى- صارخة بين كالب العظيم، ولوط الذي أضاع شهادته وشهامته. فنحن نعرف العرض غير الشريف الذي قدمه لوط لرعاع مدينة سدوم، كيف عرض عليهم ابنتيه ليعملوا القباحة معهما، لكي يفدي ضيوف السماء من الشر الذي أراد سكان سدوم الأشرار فعله بهما.  وأما كالب هنا فما كان مستعدًا لإعطاء ابنته عكسة لمجرد أحد أفراد شعب الله، بل اشترط أن يكون العريس المرتقب بطلاً في الإيمان.

ولقد كان مغنمًا عظيمًا لعثنيئيل أن يصاهر رجلاً هو رئيس بيت يهوذا، وأن يرتبط ببيت الإيمان والتقوى، بل وأن يقترن أيضًا ببنت تربت في جو التقوى وتقدير أمور الله.  إن امرأة كهذه -بكل يقين- تفضل على كل ثروات الدنيا، وعلى كل جمال الكون.

من بنات صلفحاد تعلمنا - في أعداد سابقة للمجلة - ميزة أن تكون الزوجة ليست فقط من شعب الله بصفة عامة، بل من السبط عينه، فهذا يضمن عدم ضياع الميراث.  لكننا في عثنيئيل وعكسة، نجد بعدًا آخر، فليس فقط السبط عينه، بل الإيمان الواحد والرؤية الواحدة.  فلقد كان لعثنيئل ميراثه المعيَّن له من الله، لكنه نال أيضًا نصيبًا من ميراث عمه كالب بارتباطه بعكسة.  فلقد غرت رجلها بطلب حقل من أبيها، ثم طلبت هي من أبيها ينابيع ماء لتروي ذلك الحقل (يش15: 18و19).  فارتباط عثنيئيل بعكسة ضاعف من ميراثه. وهكذا كل ارتباط بين مؤمن تقي ومؤمنة تقية (من نوع عكسة) يضاعف الميراث، إذ يضاف ميراث الرجل إلى ميراث المرأة، وإيمانهما معًا يعمل العجائب. 

وعثنيئيل وعكسة في العهد القديم يذكراننا بأكيلا وبريسكلا في العهد الجديد.  ونحن نعتقد أنه لو كان شخص غير أكيلا زوجًا لبريسكلا، ولو كانت امرأة غير بريسكلا زوجة لأكيلا، لمَا أمكنهما أن يضعا عنقيها لأجل الرسول بولس (رو16: 3و4). بل وربما لمَا أمكنهما أن يفتحا بيتهما ليكون مكاناً لاجتماع الكنيسة فيه (رو16: 5؛ 1كو16: 19).

وعليه فيمكن القول إنه إن كنا نحرص على الميراث، ألا يضيع منا، فعلى المؤمن أن يبحث عن مؤمنة من السبط عينه، وأما إذا رغبنا في زيادة الميراث ومضاعفته فعلينا أن نبحث عن أخت لها المستوى الروحي العالي، والتقوى الواضحة.

وصية صريحة وواضحة في الكتاب المقدس، سواء في العهد القديم أو العهد الجديد، أن يرتبط المؤمن بمؤمنة في العلاقة الزوجية، وإهمالها لا يمكن أن ينتج عنه سوى الخسارة، لكن فكر الله أيضًا أن يرتبط الذين لهم الفكر الواحد في أمور الله (السبط عينه)، وأعظم من كليهما ارتباط الأتقياء الذي لهم الإيمان الذي يقدر أمور الله ويتمسك بها.

 (يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com