عدد رقم 4 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
يوسف متسلط في أرض مصر  

«فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر .. وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون .. فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون .. فقال يوسف للشعب:إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون» (اقرأ تك 14:47 - 23)

استخدم يوسف موقعه الرفيع كالمتسلِّط على أرض مصر في إخضاع كل شيء له.  فكل ثروة مصر وضعت تحت يديه: الفضة، المواشي، الأرض، بل وحتى الناس أنفسهم.

غير أننا ينبغي أن نلاحظ أن يوسف لم يفعل ذلك طلباً لمنفعة ذاتية، بل لمجد فرعون.  وينبغي أيضاً ألا ننسي أن موقعه العالمي الرفيع قد جلب البركة للشعب.  وفي كل هذه الأمور فإن يوسف إنما هو مثال ساطع للمسيح في المجد.  فإذا كنا نريد أن نخلص من سلطة وسيادة الشر الحاضر؛ فليس ثمة سبيل إلى ذلك سوى أن ندرك أن المسيح هو في موقع السلطة والسيادة الفائقتين، وأن نخضع له.  حينئذ سوف يكون لنا خير كما كان للشعب في يوم يوسف.  على أن المسيح عمل لشعبه ما هو خير أكثر من مجرد إنقاذ من مجاعة عالمية، لقد أتى بهم إلى دوائر سماوية وباركهم بكل بركة روحية.

وإن الشخص الذي رتب كل هذا لمجد الله، ولبركة الإنسان، لسوف يصبح موضوع تسبيح وحمد السماء.  وكما حدث في القديم عندما أتي الذين أنقذهم يوسف إليه قائلين: «أحييتنا» (تك 25:47) كذلك فإن سرور قلب المفديين في يوم قادم هو أن يسبحوا «مستحق أنت .. لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة».  ولكن خلاص يوسف لم يقف عند حد إنقاذ المصريين، بل لقد خلص يوسف إخوته خلاصاً عظيماً (راجع تك 7:45)، وملكهم أفخر أراضي مصر (تك 12:47).  ولمدة اثنتى عشرة سنة كانوا موضوع كرم وعناية يوسف.  وهكذا عرفوا شيئاً عن عظمته ومجده.  لقد عرفوا عمله العظيم الذي أتمه، عرفوا أن كل بركة تمتعوا بها هي وليدة عمل ومكانة يوسف.

ولكنهم للأسف لم يدركوا ولو نذراً يسيراً عن شخصه وفكر قلبه.  لذلك عندما حلّت الكارثة بموت أبيهم؛ لم يكن فيهم الثقة فيه، وتوجسوا خيفة أن يعاملهم يوسف كما سبق وأن عاملوه.

وا أسفاه! ألسنا الآن، معشر المؤمنين، مثل إخوة يوسف في القديم؟!  فنحن نعرف بعض الشيء عن مجد المسيح، وندرك بعض الإدراك كفاية وثمار عمله، ولكن عندما يلوح شبح المتعب تظهر ضحالة معرفتنا بشخصه وقلبه، ومن ثم ضآلة ثقتنا فيه.  إننا نفتقر إلى المعرفة الحميمة بشخصه وفكره، على النحو الذي يجعلنا نقول: "إنني أعرف ما فعله لأجلي".  لكننا نفتقر إلى الثقة فيه تلك التي يمكننا من القول: "إنني أدرك بعض الإدراك حقيقة أحاسيسه ومشاعره نحوي".

ومن ثم فعندما تأتي التجربة، فإننا مثل إخوة يوسف نضطرب ونخاف.  حسن أن نعرف ونسعى بحماس لمعرفة ربنا المبارك معرفة شخصية.

إن قصور معرفة إخوة يوسف لقلبه وافتقارهم إلى الثقة فيه أثمر هذا الموقف المدوَّن في تكوين 15:50 - 21.
وقد حاولوا إخفاء عدم ثقتهم فيه وشكهم بنواياه بأن يزعموا أن هذه هي وصية أبيهم الراحل ليوسف.  فمع أن يوسف قد صفح عنهم، وغفر لهم ماضيهم السيئ، ورغم كل النعمة التي أظهرها يوسف من نحوهم، إلا أن ضمائرهم القلقة ما زالت تؤرقهم.

لقد ظنوا أن يوسف يضمر عداوة ضدهم وهذا ما قد يحدث معنا.  إن خطيتنا وفشلنا وسلوكنا غير المُدقق ينخس ضمائرنا، فتبتدئ تؤرقنا.  فإذا لم نكن على معرفة وثيقة بقلب ربنا، فقد يقودنا ذلك إلى الاعتقاد بأن الله ضدنا.
ولكن مهما يكن مقدار فشلنا جسيماً، فإن غفران الله للمؤمن الحقيقي هي حقيقة لا تقبل الريب.  وهكذا فنحن مدعوون لأن نعترف بخطيتنا له، لنستعيد شركتنا معه.  وساعتها سنجد المسيح - مثلما قال يوسف - يقول لنا: "أنا أعرف قلوبكم نحوي، ولكن ثقوا أنه لا يوجد بقلبي سوى المحبة لكم"، بل ويضيف أيضاً كما قال يوسف: «أنا أعولكم وأولادكم».

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com