عدد رقم 4 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أولاً: رموز قيامة المسيح في العهد القديم(تابع ما قبله)   من سلسلة: قيامة المسيح

«قام في اليوم الثالث حسب الكتب»
 (1كو 4:15)

7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي(6)

 نبوة اليوم الثالث ورحلات تابوت عهد الرب(عد 33:10؛ يش 2:3)


في الأصحاح الرابع من سفر العدد نجد تعليمات نقل التابوت في البرية ومؤداها أن يأتي هارون وبنوه عند ارتحال المحلة وينزلون الحجاب ويغطون به الشهادة.  ثم يجعلون عليه غطاء من جلود التخس.  ويبسطون فوقه ثوباً كله أسمانجوني ويضعون عصيه (عد 4:4، 5).  في ذلك تعاليم ثمينة لنا.

فالتابوت السائر في البرية يرمز إلى حياة المسيح في هذا العالم، تلك الحياة النقية في الداخل وفي الخارج.  والحجاب يرمز إلى جسد الرب يسوع المسيح (عب 20:10).  فهنا نرى التابوت مُغطى بالحجاب؛ أي شخص ابن الله في حجاب الناسوت.

ثم نرى في جلود التخس إشارة إلى الوقاية الكاملة التي نزّهت إنسانيته عن كل شر.  فهو الذي انطبق عليه القول «بكلام شفتيك أنا تحفظّت من طرق المعتنف (المهلك).  تمسّكت خطواتي بآثارك فما زلّت قدماي» (مز 4:17، 5).  ونرى ذلك واضحاً في التجربة في التجربة من إبليس في البرية (مت 4).

وفوق جلود التخس نجد الثوب الأسمانجوني كله، رمزاً إلى الصفة السماوية التي كانت ظاهرة دائماً في حياة الرب يسوع نتيجة للقداسة الداخلية الخالية من كل شائبة المتمثلة في الوقاية بجلود التخس (1كو 47:15).

وعند ارتحال المحلة كانت كل الأسباط براياتهم تسير حسب النظام الإلهي المرسوم، حول التابوت.  والتابوت في الوسط، في المركز، محمولاً على أكتاف القهاتيين (عد 11:10 - 27).

وبينما كان هذا هو النظام الموضوع من الله للسير لارتحال المحلات، أن يكون التابوت في الوسط، إلا أننا نجد في نفس الأصحاح (ع 10) تحولاً عن هذه القاعدة.  فتابوت عهد الله عوضاً عن أن يسير في قلب المحلة وفي وسط الجماعة، كان يسير في مقدمة كل شيء.  أو بكلام آخر عوضاً عن أن يبقى يهوه (الله) مُحاطاً بالجماعة ليُخدَم ويُكرَم منهم، تنازل فعلاً بنعمته العجيبة الفائقة الحد، ليأخذ مهمة دليل أو طليعة لشعبه (عد 33:10).  ودعونا أيها الأحباء نتساءل: ولمَ ذلك؟!

الإجابة هي: لأن موسى طلب بشدة من حميه حوباب أن يكون لهم كعيون بما أنه خبير بالسير في البرية (عد 31:10).  التمس موسى قيادة حوباب عوضاً عن قيادة يهوه، وعيون حوباب بدلاً من عيني الله.  وماذا كان يعرف حوباب عن المكان الذي ينبغي أن ينزل إليه الشعب؟ وهل يعرف حوباب طرق الله وأفكاره؟ أمَا كان يهوه وحده كافياً؟ ألا يعرف البرية ومنازلها وخفياتها؟ وهل يضل بهم الطريق؟ لماذا إذن يحتاج موسى إلى مساعدة البشر؟ وكيف نسي موسى السحابة التي تهديهم؟ وكيف تحوّل عن ينبوع الماء الحي إلى الآبار المشققة التي لا تضبط ماء؟!!

ولكن الله - تبارك اسمه - أراد أن يعلِّم عبده موسى أنه مستعد لأن يهديهم وفيه كل الكفاية لهدايتهم وإرشادهم «فارتحلوا من جبل الرب مسيرة ثلاثة أيام، وتابوت عهد الرب راحل أمامهم مسيرة ثلاثة أيام ليلتمس لهم منزلاً (موضع إقامة؛ مكان راحة؛ resting-place)» (عد 33:10).  ويا لها من نعمة غنية عجيبة، إذ عوضاً عن أن يهتموا بإيجاد منزل له تعالى، أراد أن يلتمس هو لهم مكاناً ليستريحوا فيه.  ويا له من أمر عجيب؛ الإله القدير خالق أطراف الأرض يتنازل ليسير وسط شعبه في البرية باحثاً لهم عن مكان مناسب يصلح لأن يحل فيه شعب عنيد كثير العصيان شديد التذمر، ولكن هكذا اقتضت مراحم الله طويل الروح، كثير النعم، عظيم القدرة، الجليل في كل شيء، والذي تفاضلت نعمته جداً علينا حتى سمت وعلت وتغلبت على عدم إيماننا وضعفنا وسقوطنا، وبمحبته العجيبة الأزلية قد أزال عن طريقنا كل عائق ومانع من الموانع الكثيرة التي أوجدها عدم إيماننا.

فالمسيح لنا مثل تابوت عهد الرب الذي ذهب أمام الشعب؛ لقد ذهب أمامنا، لقد أخذ مسيرة الثلاثة الأيام، موته ودفنه وقيامته (1كو 1:15 - 4)، حيث فتح «طريقاً حديثاً حياً» أمام شعبه في طريقهم للمجد السماوي «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً، بالحجاب، أي جسده .... » (عب 19:10).

نعم، لقد فُتح لنا طريق الأقداس، ويا له من أمر ذو أهمية عظمى وقيمة تفوق كل تقدير.  فإن المؤمن سُمح له بالدخول إلى ذات حضرة الله، وطريقه إلى ذلك طريق حديث (لم يكن مُعلنَاً من قبل)، وطريق حي (لا يهدد السالكين فيه موت)، كرسه الرب نفسه للمؤمنين بالحجاب أي بجسده.  لهم أن يدخلوا إلى الله باستمرار وعلى الدوام وعلى الرحب والسعة بلا حجاب يحجز بينهم وبين ذات الحضرة المباركة في النور.  فلا الخطايا التي نقترفها ولا الأجساد التي نحن فيها، ولا الضعفات التي تحيطنا، تقدر أن تمنع المؤمن عن الدخول بالروح داخل الحجاب أي إلى السماء عينها.

نعم، إن لنا حقاً ونحن هنا على الأرض أن نتقدم إلى الله في كامل الحرية، لنا دخول حر إلى حيث تسكن قداسته وإلى حيث لا يُسمح بشيء مما يضاد طبيعة الله.  إنها نعمة سخية ونتيجة مجيدة، إنها غاية السمو ومنتهى الكمال.  هذا هو مركزنا في حضرة الله بناءاً على دخول المسيح إلى الأقداس.  هذا هو منزلنا ومكان راحتنا وموضع إقامتنا الذي التمسه لنا الرب يسوع بمسيرة الثلاثة الأيام؛ موته ودفنه وقيامته.

وهناك مناسبة أخرى فيها غيّر الله نظام سير التابوت، وتلك المناسبة كانت عند عبور نهر الأردن «وكان بعد ثلاثة أيام أن العرفاء جازوا في وسط المحلة، وأمروا الشعب قائلين: عندما ترون تابوت عهد الرب إلهكم والكهنة اللاويين حاملين إياه، فارتحلوا من أماكنكم وسيروا وراءه.  ... هوذا تابوت عهد سيد كل الأرض عابرٌ أمامكم في الأردن» (يش 2:3، 3، 11).

كان من اللائق أن تمر فترة ثلاثة أيام قبل أن يعبر الشعب نهر الأردن (الذي يرمز إلى التابوت) إلى أرض القيامة.  والتابوت في عبور الأردن كان يشير إلى شخص الرب يسوع الذي تقدم وحده للموت على الصليب نيابة عن المفديين، ودخل وحده إلى مياه الموت العميقة ليشق طريقاً لشعبه.  لقد قال له بطرس إنه مستعد أن يذهب معه حتى الموت.  لكن الرب قال له: «حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً» (يو 36:13) وهكذا لم يكن أحد معه حين فتح الطريق أمام خاصته واقتادهم بموته إلى حياة القيامة والمجد.

دخل التابوت أولاً إلى الماء ففتح الطريق للشعب، والمسيح بدخوله إلى الموت فتح لنا طريقاً «لم نعبره من قبل» (يش 4:3).  فلم يدخل أحد الموت ويخرج منه حتى دخول المسيح وخروجه منه.  ونحن الآن نجتاز فيه «معه» بدون خطر.  «وفي النهر عبروا بالرجل.  هناك فرحنا به» (مز 6:66).

وفي وقت العبور كان الأردن ممتلئاً إلى جميع شطوطه، ومياهه الهادرة رمز للموت في قوته، والمسيح بموته وقيامته قد غلب الموت.  وعبور الشعب نهر الموت إلى أرض الموعد رمز لموت المؤمن شرعاً بموت المسيح، وقيامة المؤمن بقيامة المسيح، ليحيا المسيح فيه بقوة قيامته وقوة روحه (رو 10:6، 11؛ رو 1:8؛ غل 20:2) ليكون للمؤمن امتياز الوجود بقلبه في السماء للتمتع فيها بالمسيح كعسل ولبن كنعان.  منتصراً على كل ما يعيقه عن الوجود في هذا المستوى السماوي والانتصار على الأعداء الروحيين (أف 10:6- 18).

كما أن عبور التابوت أمام الشعب إلى أرض كنعان كان ضامناً لعبورهم أيضاً.  وفي ذلك إشارة جميلة للرب يسوع المسيح الذي «دخل كسابق لأجلنا» (عب 20:6) باعتباره العربون الأكيد على أننا نحن أيضاً سندخل في الوقت المعين من الله، لأن كلمة «السابق» تتضمن آخرين يأتون من بعده، فهو قد صار باكورة الراقدين (1كو 20:15، 23) وبذلك صار ضامناً لميراثنا السماوي.

أيها الأحباء .. لقد فتحت أمامنا قيامة المسيح الطريق إلى ميراثنا السماوي المجيد الذي هو خارج نطاق قوة الموت (1بط 3:1، 4) لكن على رأس تلك الخيرات والبركات، لنا المسيح المُقام من الأموات نفسه، إنساناً يعد الطريق لمفدييه لكي يقاسموه المجد الذي أعطاه له الآب.  وهو أبداً «يذهب أمنا» ونحن من خلفه وفي أثر خطواته، وها نحن منذ الآن بالروح حيث سيدنا، إلى أن يأتي إلينا ليأخذنا إليه. 

آمين.  تعال أيها الرب يسوع.

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com