عدد رقم 4 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الثبات الروحي - 3  

«ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب»
 (أع 11: 23)

تحدثنا في العددين السابقين عن الثبات في الرب كتحدي يواجه المؤمن لا سيما في بداية علاقته بالرب، وهو تحدٍ بإزاء تذبذب الإنسان، الشخصية المزاجية والوسط المحيط.  وقد تناولنا على مدى المقالين السابقين أربعة أفكار هي:

أولاً  : ما هو الثبات؟  
ثانياً : المسيحية والثبات
ثالثاً : نوعا (أو وجها) الثبات
رابعاً: أهمية الثبات (في أربعة عشر سبباً كتابياً).
ونختم حديثنا هذه المرة بالحديث عن:

خامساً: كيفية الثبات

رأينا في أهمية الثبات أن يوحنا 15 حوى سبعة أسباب هامة (أي نصف عدد الأسباب) والتي تدفعنا للاهتمام بموضوع الثبات.  والواقع أن الأصحاح ذاته حدثنا فيه الرب يسوع بنفسه عن هذا الأمر الهام، موضحاً كيفية الثبات روحياً في شخصه الكريم.

ففي مطلع هذا الأصحاح كشف الرب عن حقيقة أنه هو «الكرمة الحقيقية»، وأن الآب هو «الكرَّام»، وأن المؤمنين هم «الأغصان».  وبقدر ثبات الغصن في الكرمة، بقدر زيادة ثمره، فالثمر درجات: «ثمر»، «ثمر كثير» و«ثمر أكثر».  أما الثمر ذاته فهو «عنب» الكرمة.  في إشارة واضحة إلى أن الثمر الذي قصده الرب هنا ليس هو الخدمة بالتحديد، أو أي نشاط روحي بذاته، بل هو استعلان حياة المسيح (الكرمة) فينا نحن المؤمنين (الأغصان).  والواقع إن هذا هو المقياس الروحي الأكيد لنمونا ونجاحنا في علاقتنا بالرب: ليس كَمْ المعرفة، ولا نوع واتساع الخدمة، ولا المشغولية بالعبادة، بل ببساطة استعلان حياة المسيح بكل صفاتها الرائعة فينا، الأمر الذي يزداد بذات القدر الذي فيه يزداد ثباتنا في الرب الذي هو الكرمة الحقيقية.

أما الآب، والذي لا يُشبعه سوى الكرمة (المسيح)، فإنه يستخدم معاملاته وتدريباته لتنقية كل غصن ثابت في الكرمة ليأتي بثمر أكثر.

والواقع إن استعلان حياة المسيح فينا ليست أمراً مستحيلاً، بل مفروضاً، فنحن المؤمنون لنا حياة المسيح، ولنا روح الله القدوس ساكناً فينا (2كو1: 21)، ولنا كلمة الله (كلمة المسيح)، فما الذي ينقصنا بعد سوى المزيد من نقاء الغصن، وثباته في الكرمة ليسري عصير الحياة من الكرمة إلى الأغصان فتثمر ثمراً يشبع قلب إلهنا.

وفي حديث الرب كذلك، ولا ننسى أنه كان حديثه الأخير لتلاميذه في ليلة آلامه وقبل ساعات من صلبه حيث وضع الأساس لسريان حياة المسيح فنيا «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ» (غل2: 20)، نقول إنه في ذات الحديث أوضح الرب كيفية الثبات في ثلاث أفكار محددة هي:
1-مشغولية بالمسيح:

أو عين مُثَبَّتَه دائماً عليه «اثبتوا فيَّ وأنا فيكم.  كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيَّ» (يو15: 4).  وفي ذات الإنجيل قال الرب: «مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو6: 56).

وفي إشارة إلى التغذِّي على الرب روحياً والشبع به قال الرسول: «ناظرين إلى رئيس الإيمان ومُكَمِّله يسوع .. لئلا تكلُّوا وتخوروا في نفوسكم» (عب12: 2، 3).

أيها الأعزاء .. كم نحتاج إلى مشغولية الفكر والقلب المستديمة، نعم ويا ليتها تكون كذلك فعلاً، في أيام عصيبة وأجواء مُسمَّمَة، نقول مشغولية مستديمة بشخص الرب يسوع، الذي كلما ندنو إليه لذَّ لنا فيه الوفاق، وكلما نصبو إليه زادنا له اشتياق.  إن هذا هو الطريق الصحيح الوحيد للقوة الروحية الحقيقية في حياتنا المسيحية، عندئذ نختبر شيئاً من المكتوب «ويقودك الرب على الدوام، ويُشبع في الجدُوب نفسك، ويُنشِّط عظامك فتصير كجنة ريَّا وكنبع مياهٍ لا تنقطع مياهه» (إش58: 11).

2-اتكال على المسيح:

يستطرد الرب في ذات الأصحاح قائلاً: «أنا الكرمة وأنتم الأغصان.  الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً» (يو15: 5).  بدون الرب لن نستطيع أن نفعل شيئاً واحداً صحيحاً في حياتنا: روحياً أو زمنياً؛ الأمر الذي يستلزم استنادنا واتكالنا اللحظي عليه حتى لا ننهار كقول الوحي عن العروس في سفر النشيد: «مَنْ هذه الطالعة من البرية مُستندة على حبيبها؟» (نش8: 5)، وكقول المرنم للرب «أسندني فأخلُص» (مز119: 117).

إن شعورنا بلا شيئيتنا يدفعنا للاستناد المُطْلَق عليه.  فهو الحكمة الكاملة إزاء جهلنا، والقدرة المُطْلَقَة إزاء ضعفنا .. وهكذا «التصقت نفسي بك (الثبات في الرب).  يمينك تعضدني» (مز63: 8).

ما أروع أن نُدْرِك اختبارياً أننا في ذواتنا لا شيء، ولا نمتلك أي شيء، ولا نستحق أي شيء، وأن يدفعنا ذلك للاتكال على الرب باعتباره كل شيء بالنسبة لنا.
أيها الأحباء.. ما أسهل أن نتحرَّك هنا وهناك، ونُقرِّر هذا وذاك بدون المسيح، دون أن ندري أحياناً، ودون أن يلاحظنا أقرب مَنْ لنا – ربما - وننسى أن هذا كله محكوم عليه بالفشل إذا لم نستند على الرب فيه منذ البداية.

3-طاعة كلمة المسيح:

يقول الرب: «أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلَّمتكم به .. إن ثبتم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم» (يو15: 3، 7).  في هذا الجزء يُحدِّثنا المسيح عن «وصاياه»، وعن «كلامه».

  • «فوصاياه» هي المُدوَّنة نَصَّاً في كلمة الله، والتي جاءت صراحة في أحاديثه.
  • أما «كلامه» فالمقصود به فكره.  الأمر الأعمق من وصاياه ويستلزم شركة أوثق  معه لنعرف كلامه أو فكره.

والثبات بحسب كلام الرب هنا معناه ليس فقط الثبات (أي طاعة) وصاياه، بل كلامه أي فكره أيضاً.
وفي أيام العصيان والتمرُّد، حيث تفشَّت صورة أيام حكم القضاة «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حَسُن في عينيه».  كم يلذ للرب أن يجد طاعة قلبية من قديسيه الأتقياء، الذين رغبتهم الوحيدة إرضاؤه وشبع قلبه، فيتحول الأمر إلى بركة وراحة عظمى لنفوسهم إذ يزداد ثمرهم، وتنجح طرقهم.

أيها الأحباء .. ليت قلوبنا تشتعل فينا رغبةً في الثبات، بل النمو، فلا طريق لنا في هذه الأيام الأخيرة يحفظنا ويمنحنا البركة والنجاح سواه حتى يأتي الرب عن قريب فيجدنا ساهرين.

(انتهى)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com