عدد رقم 6 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الألــم بين المشيئة الإلهية والمجد العتيد  

في رسالة بطرس الأولى التي كتبها لإخوته المؤمنين الذين في الشتات، تتكرر كلمة الألم ومشتقاتها أربع عشرة مرة.  الأمر الذي لا نجده في أي مكان آخر من أسفار العهد الجديد.  ولا شك أن هذا له دلالته، فهو يدل على أن هؤلاء الإخوة كانوا يكابدون آلامًا كثيرة ويحتملون أحزانًا بالظلم (1بط2: 19)

ولقد وصل الأمر إلى منتهاه، فانفردت رسالة بطرس بتعبير عن الألم لم يرد في أي مكان آخر، وهو «البلوى المحرقة» (1بط4: 12).  وهذه الرسالة بحق هي رسالة الله المشجعة للمتألمين، ولأنها رسالة تشجيع على احتمال الألم وليست رسالة رثاء بسبب الألم، فلهذا كان ينبغي أن تذكر كلمة المجد كثيراً في هذه الرسالة.  وكأن بطرس يقول مع بولس: «فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا» (رو8: 18) وتتكرَّر كلمة المجد في هذه الرسالة سبع مرات. 

هذا هو المُشجِّع الأول الذي ساقه الرسول بطرس تشجيعاً لإخوته.  ذلك لأن الألم مهما كانت ضراوته وحمو أتونه، يمكن قياسه، ولكن ما لا يمكن قياسه هو المجد الذي ينتظر أولاد الله.  لكن الرسول بطرس يقدم لإخوته تشجيعاً آخر لتقبل الألم بشكر.  فأعلن لهم أن هذا الألم ليس خارج نطاق خطة الله الحكيم في حياة أولاده وهم يشقون الطريق وصولاً إلى المجد العتيد.  وإن كان المجد بعد الألم مشجعًا عظيمًا على احتمال البرية بشوكها وحسكها، ولكن لكون هذا الألم والضيق هو ضمن مشيئة الله في حياتنا، فهذا مشجع آخر، يقود المؤمن المتدرِّب في مدرسة الله على تقبل الألم بشكر. يقول الرسول لأن تألمكم إن شاءت مشيئة الله، وأنتم صانعون خيراً، أفضل منه وأنتم صانعون شراً (1بط3: 17). ويقول أيضاً تأكيداً لهذه المشيئة «فإذًا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين، في عمل الخير» (1بط4: 19).

وكلما يختبر المؤمن عملياً هذا المشجع الثاني في حياته، كلما كان تمتعه بالمجد العتيد أكثر.  ذلك لأن المؤمن الفطن، الذي له فكر المسيح، يثق أن كل ما يجتاز فيه من ألم في طريق عمل الخير، هو بحسب مشيئة الله.  الأمر الذي يؤهله ليكون أكثر لمعاناً في المجد.  ذلك لأن الأكاليل أمام كرسي المسيح هي لأولئك الذين تعبوا متألمين وكانوا صابرين شاكرين، ولهم يقين الإيمان بأن خفة الضيقة الوقتية تنشئ لهم أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا (2كو4: 17).  الأمر الذي يجعل المؤمن خاضعًا بشكر تحت يد الله القوية (1بط5: 6)، عالماً أن ذات اليد التي قدمت له جرعة الألم، هي بذاتها سترفعه في حينه، بعد أن يأتي الألم بالثمار المرجوة.

وفي هذه الرسالة وردت كلمة «أيها الأحباء» (1بط4: 12) مرة واحدة وجاءت مقترنة بكلمة تعبر عن أقسى أنواع الألم، وهو «البلوى المحرقة».  ويا له من اقتران عجيب نرى من خلاله أعظم تأكيد أن الألم في حياة أولاد الله هو بحسب مشيئة الله.  وإن كان الله يدعو أولاده بالأحباء فكيف يرضى أن يكون نصيبهم هو البلوى المحرقة، لولا أنه يرى أن هذا لخير وبركة نفوسهم، وتزكية إيمانهم.

بقي المُشجِّع الثالث وهو أن طريق الألم هو ذات الطريق الذي سبق وشرفته قدمي ربنا يسوع المسيح، وأي شرف لنا حينما نضع أقدامنا على طريق سار فيه قبلنا ربنا الفادي الكريم ـ يقول الرسول مشجعاً إخوته: «لأنكم لهذا دعيتم، فإن المسيح تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته» (1بط2: 21).

وإن كان المشجع الأول عظيم، والثاني أيضًا أعظم، لكنني أقول إن أعظمهم هو الثالث إذ يحمل لنا أعظم تأكيد بأن المجد ينتظرنا.  وكما مُجِّد ربنا المعبود بعد الألم، لا بد أن نتمجد نحن أيضاً.  وكيف لا وقد دخل السماء كسابق لنا ولن يهدأ له بال حتى يرانا حوله ممجدين. 

أخي أختي في الرب:

يا من أصابك سهمٌ من جعبة آلام الزمان الحاضر، اعلم يقيناً أنه ليس هناك سهمٌ طائش يصيب أولاد الله مقتنى دم ابنه. ولولا أن هذا السهم لخيرك ولبركة نفسك، لما سمح الله له بالخروج من جعبته. فقط عليك أن تثق أن ما أنت فيه رتبته مشيئته الصالحة من نحوك.  فانتظر الرب واصبر له لترى بعينيك خير الله الجزيل من وراء شركة آلام المسيح هنا وبطول الأبدية.  وإن كنت شريكًا في آلام المسيح فلا تنسى أيضًا أنك شريك المجد العتيد أن يُعلَن (1بط5: 1).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com