عدد رقم 6 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share

ذكرنا فيما سبق أن الرب يسوع المسيح، بالنسبة لكونه إنسانًا في المجد الآن، قد أُعطيَ عطايا من الله، إلهه وأبيه، مكافأة له على إكمال عمل الصليب.  ولكون الكنيسة هي جسد المسيح الرأس، وأفراد المؤمنين هم أعضاء هذا الجسد (أف 15:4، 16)، فإن كل العطايا والمكافآت التي قَبلَها –تبارك اسمه- من إلهه وأبيه، أعطاها لنا نحن المؤمنين باسمه، ليس بمعنى أنه تخلى عن هذه العطايا والمكافآت لنا، لكن بمعنى أنه أدخلنا نحن فيها للتمتع بها معه.

أما عن هذه العطايا والمكافآت التي أُعطيت له، تبارك اسمه، فقد تأملنا فيما سبق في:


أولاً:  الحياة إلى الأبد  (مز 4:21، 11:16)
ثانيًا:  الاسم الذي فوق كل اسم  (في 6:2- 9)
ثالثًا:  موعد الروح القدس  (أع 32:2، 33)
رابعًا: المُلك على الأرض كلها  (رؤ 26:2، 10:5، 4:20)

والآن نتأمل في:

خامسًا:  كل مراحل الدينونة

«لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ،  لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ ... وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ» (يو 22:5، 23، 27).

الدينونة عمل خاص بالله وحده «لأن الله هو الدَّيَّان» (مز 6:50  -انظر أيضًا تك 25:18؛ مز 13:96؛ عب 23:12)، لكن الأقنوم المختص بالدينونة هو الابن «لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن .. وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان» (يو 22:5، 27).  فالرب يسوع المسيح سوف يدين، لا باعتباره ابن الله –مع أنه هو كذلك- بل باعتباره ابن الإنسان.  إذ أنه كابن الإنسان احتُقر وأُهين ورُفض عندما أتى بالنعمة.  لقد أنكروا عليه –تبارك اسمه- لاهوته وأنه ابن الله، واحتقروه وتطاولوا عليه لأنه في نظرهم ليس أكثر من ابن إنسان.  حسنًا، فليعلموا إذًا أنه كابن الإنسان سوف يدين (يو 27:5).

فكونه -تبارك اسمه- قد رُفع على الصليب ومات لم يُنهِ قصته، فلقد أقامه الله، وبقيامته أعطى الله برهانًا على أنه سوف يدين المسكونة بالعدل بواسطة ذلك الرجل الذي سبق وعيَّنَه، والذي سبق وأن مات لأجل الإنسان.  نعم أعطى الله هذا البرهان إذ أقامه من الأموات:« فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (أع 30:17، 31).

إن «ربي وإلهي» الذي رُفض وصُلب من هذا العالم، هو الآن عن يمين الله، وهو جالس هناك كبرهان على اكتمال عمله، وأن الله قد رضي به،«وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، مُنْتَظِرًا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْهِ» (عب12:10، 13). وكل الدينونة، سواء للأحياء أوالأموات، قد أُعطيت له (أع42:10) «لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَه».  فلا بد أن يُكرَم المسيح من الجميع؛ من المؤمنين وغير المؤمنين على السواء.  الجميع سوف يُكرمون الابن بطريقة أو بأخرى، إما بإيمانهم به الآن، أو بدينونتهم منه فيما بعد.  والرب يسوع المسيح إما أن يُحيي أو يدين: فمَنْ يؤمن به ينال الحياة الأبدية، ومَنْ لم يؤمن به يُدن (يو 16:3- 18؛ مر 16:16).  إن «ابن الله» -له كل المجد- لن يُجري الدينونة باعتباره الابن، بل باعتباره «ابن الإنسان» (يو 27:5)، أما باعتباره الابن فهو يُحيي مَنْ يشاء (يو 21:5).

لقد رُفعَ ابن الإنسان إذ دانه البشر (يو 14:3)، لكن سيأتي اليوم قريبًا عندما يدين هو كل البشر الذين لم يؤمنوا بصلبه لأجلهم (يو27:5).  فنفس الشخص الذي رُفع مُدانًا، قد رُفع ديَّانًا.  وكل مَنْ لا يعترف به الآن كابن الله المحيي (يو 21:5)، سوف يقف أمامه كابن الإنسان الديَّان (يو 22:5).  والمؤمنون يسجدون له من الآن حبًا وامتنانًا، أما غير المؤمنين فسيسجدون له رعبًا وخوفًا.  فكل ركبة يجب أن تنحني أمامه، وكل لسان يجب أن يعترف أن يسوع المسيح هو ربِّ لمجد الله الآب (في 10:2، 11). وهكذا فإنه يمكننا أن نقول إنه من البديهي أن يكون المسيح هو الشخص الذي يدين الخطاة:

  1. لأنه هو «الكلمة الله .. والكلمة صار جسدًا» (يو1:1،14)، و«الكلمة» هو الأقنوم المُعبِّر عن الله وعن فكر الله.
    • فقد عبَّر في الخليقة عن حكمة الله وقوته ومجده ..
    • وعبَّر في الفداء عن محبة الله وبره ..
    • وسيعبِّر في الدينونة عن قداسة الله وعدله وغضبه ..
  2. لأنه هو وحده البار (قارن من فضلك رو 10:3 مع أع 14:3؛ 52:7؛ 14:22؛ 1بط 18:3؛ 1يو 1:2)، والبار هو الذي له الحق في القيام بهذه المهمة (يو 1:8- 11).
  3. لأنه هو الذي قدَّم نفسه كفَّارة عن الخطاة، فله وحده أن يدينهم بسبب عدم تقديريهم لكفَّارته ورفضهم الإفادة منها (يو 22:5، 27؛ مت 31:25- 46؛ أع 42:10، 43؛ رو 34:8؛ 2تي 1:4).

ويا لعظم نعمة ربنا يسوع المسيح! لقد أعطانا نحن المؤمنين به الحياة الأبدية، ووعدنا أننا لن نأتي -مجرد إتيان- إلى القضاء والدينونة، وأكثر من ذلك فإنه –تبارك اسمه- أعطانا أن نشاركه في إجراء كل مراحل الدينونة والأحكام على العصاة وغير المؤمنين عند تأسيس المُلك وفي أثنائه «حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ، وَأُعْطِيَ الدِّينُ (الدينونة) لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ (لقديسي الأعالي أو القديسين السماويين)، وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ» (دا 22:7). لقد أُعطيت لهم المملكة (دا 18:7)، وأُعطيت لهم الدينونة أيضًا (دا 22:7)، وحسب قول الرب لقديسيه السماويين: «فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ ... وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدْنٍ» (لو 17:19- 19).

فإن كان المسيح سيدين المسيحية الاسمية «لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَق وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا» (رؤ 2:19)، فإن القديسين سيشتركون معه في إجراء هذه الدينونة «جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي الْكَأْسِ الَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا. بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا. لأَنَّهَا تَقُولُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حَزَنًا» (رؤ 6:18، 7- انظر أيضًا رؤ 9:3).

وإن كان المسيح سيدين العالم (يو 22:5)، وسيدين الملائكة الأشرار (يه 5، 6؛ 2بط 4:2، 9) كذلك القديسون «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟ ..أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟» (1كو 2:6، 3).

وإذا كان المسيح سيرعى الأمم بقضيب من حديد «وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رؤ 15:19)، فكذلك القديسون السماويون سيرعون الأمم بقضيب من حديد « وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ،  فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي» (رؤ 26:2، 27 – قارن من فضلك مز 7:2- 9).

إن مكافأة المؤمن الغالب ستكون الحكم مع المسيح في المُلك الألفي، سيوهب سلطانًا على الأمم، وسوف يرعاهم (أي يحكمهم) بقضيب من حديد، حيث كل خطية وتمرُّد سيُعاقب مرتكبها فورًا وبصرامة.

مجدًا لك يا ربنا يسوع، يا مَنْ تُحيي وتدين، لقد جعلتنا هدفًا للحياة والبركة، وعلى حسابك لن نأتي مطلقًا إلى دينونة، بل ويا لعظم نعمتك يا سيدي إذ سوف نشاركك إجراء كل مراحل الدينونة!! لك كل المجد. 

(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com