عدد رقم 6 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نعمي في مُوآب   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

(راعوث 1:1، 2)

سنتأمل هذه المرة في شخصية أخرى تاهت لسنوات عن المكان الصحيح، وضلَّت عن الدرب الصحيح، وأخذت قرارات خاطئة دون أن تسأل الرب، وحصدت مرائر.  لكنها أخيرًا اختبرت يد الرب الصالحة والمترفقة، ونعمته التي تُخرج من الأخطاء بركة، وتغلب الشر بالخير.  هذه الشخصية هي: «نُعمي».

«حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض» (را 1:1).  كانت هذه الفترة من أظلم الفترات في تاريخ شعب الله.  فنقرأ أربع مرات في سفر القضاة عبارة: «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل»، ومرتين يضيف عبارة «كل واحد عمل ما حسن في عينيه».  وسبع مرات نقرأ القول: «وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب».  وفي هذا السِّفر تركوا الرب وعبدوا سبعة آلهة غريبة، وسبع مرات استُعبدوا لأعدائهم.  كان شيئًا مؤلمًا بعدما صنع الرب معهم عجائب لا تُحصى في أرض مصر والبحر الأحمر، وفي البرية والأردن، وأدخلهم أرض كنعان؛ أن يتركوا الرب ويعبدوا آلهة الأمم.  لكن الرب لا يترك شعبه، وفي محبته يتعامل معهم بالضيق والتأديب لكي يرجعهم إليه.  ويظل المبدأ قائمًا أننا «لو كنا حكمنا على أنفسنا لَمَا حُكِمَ علينا».  لهذا نحن لا نستغرب أنه في تلك الأيام «صار جوع في الأرض».

ن الشبع والاسترخاء يقود الإنسان إلى التهاون والاستغناء عن الرب، والضيق والكرب والمذلة يقوده رجوعًا إلى الرب وارتماءً عليه.  إننا عادة لا نحب الشعور بالمسكنة والاحتياج، بل نميل إلى الاستقلالية والشعور بالكفاية الذاتية.  لكن الرب ينظر إلى المسكين ويلتفت إلى صلاة المضطر.  وفي أحيان كثيرة لا يستجيب الرب سريعًا، لأنه يريد أن يحتفظ بنا قارعين عند بابه.  وعندما نسترجي مراحمه وسط الضغوط والكروب، يقينًا ستنضبط حياتنا وتتنقى، ونتدرّب على فحص النفس وإدانة الذات.  لكن هذا غير مُحبَّب للطبيعة البشرية.  فهي تحاول الهروب من التأديب بدلاً من الخضوع والاتضاع والانكسار والتوبة.

هذا ما عمله «أليمالك» رجل نُعمي إذ قاد العائلة إلى موآب هربًا من الجوع.  وعلى العكس، نقرأ عن رجل آخر اسمه «ألقانة»، عاش أيضًا في أيام حكم القضاة، ولكن هذا الرجل كان يصعد من مدينته من سنة إلى سنة، هو وعائلته، «ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه» (1صم 1).

وعندما صار الجوع في الأرض «ذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرّب في بلاد موآب هو وامرأته وابناه.  واسم الرجل أليمالك واسم امرأته نُعمي واسما ابنيه محلون وكليون» (را 1:1، 2).

إن الذهاب إلى موآب حيث الشبع ليس هو الحل للمشكلة.  وكان الأجدر أن يسأل الرب: لماذا سمحت بالجوع؟ هل هناك رسالة تريد أن تقولها لنا؟ هل هناك أشياء نحتاج أن نتوب عنها؟ إن كان كذلك فإننا مع المرنم نقول:

بنتوب قدامك               بنعود لحنانك
نُعلن ملكك في حياتنا

إن اسم الرجل «أليمالك» ومعناه: "إلهي ملك".  وكان يجب أن يعيش بهذا الاسم عمليًا ويحترم ويطيع إلهه، ويأخذ مركز العبد المطيع.  فلا يأخذ قرارًا في الحياة قبل الرجوع للرب الملك الكبير والسيد الوحيد على حياته.  لكنه لم يفعل ذلك.

كان القرار الذي اتخذه أليمالك خطيرًا لأنه قرار هجرة، وليس مجرد زيارة لموآب.  والجسد الذي فينا لا يرى سوى الأمور المنظورة الوقتية، ويرغب في المسرات العالمية والأرضية، ويختار الطريق الأسهل، ولا يهمه الاعتبارات الروحية.  وهذا ما فعله لوط قديمًا عندما اختار سدوم مكانًا لسكناه.

«نُعمي» تعني: "مسرَّة"، و«محلون» معناه: "مريض"، و«كليون» معناه: "ضياع أو اضمحلال".  ومن معاني أسماء الأولاد نفهم الحالة الروحية التعيسة التي كان فيها أليمالك.  لقد أكرمه الرب بأولاد ليكونوا بركة، ولكي يربيهم في خوف الرب وإنذاره، وليس للضعف والمرض والضياع.

كانت نُعمي تسير في نفس الخط مع أليمالك.  فقد أخذا قرار الهجرة معًا.  وربما كانت هي أكثر إصرارًا وإلحاحًا، لذلك بعد رجوعها اعترفت قائلة: «إني ذهبت ممتلئة».  وربما فعلت ذلك لصالح الأولاد بحسب المنظور البشري.  وهي قصة متكررة في أيامنا، وبالأسف يكون الأولاد فيها هم أول الضحايا.  تحت ضغط نُعمي وتأثيرها، وكان ذلك متفقًا مع ميوله ورغبته، قرر أليمالك الرحيل إلى موآب.

إن الرجل باعتباره الرأس في البيت مسؤول أمام الله عن القرارات التي تُتخذ في البيت.  وهو يمثل الله في الدائرة التي يعيش فيها، ويجب أن يأخذ دور القيادة بما يتفق مع مبادئ الله وفكره نحو هذا البيت.

وعن موآب توجد وصايا صريحة تحذِّر شعب الرب من الاختلاط بهم أو دخولهم في جماعة الرب حتى الجيل العاشر (تث 3:23).

ولا يمكن القول بأن الهجرة دائمًا خطأ. ولكن يجب أن نسأل الرب مرة ومرات بكل إخلاص، لنتأكد من صحة هذه الخطوة.  وهل هي في مشيئة الله أم لا.  هل ستكون يده معنا ويباركنا؟ هل يصادق على هذا القرار، وسيكون مسؤولاً عنا هناك في الغربة، ويضمن لنا النجاح روحيًا وزمنيًا؟ دعونا نردد الكلمات:

يا سيدي إن لم يسر    أمامي وجهك الطريق
فلن أسير أبدًا      مهما يكن شأن البريق

وعندما نتأكد أن هذه هي مشيئة الرب، فإن هذا لا يعني أن الطريق ناعم وسيخلو من المتاعب.  ولكننا سنشعر بسلام وسط المتاعب، وسنشعر بمعية الرب ومؤازرته وتشجيعه.  أما لو جاءت المتاعب لشخص بعيد عن المشيئة الإلهية فيا للتخبُّط والحيرة والمرار والفشل!  وهو يشعر أن الرب ليس معه وغير مصادق أو مبارك على قرارته. من أجل هذا أناشدك أيها القارئ العزيز ألا تجازف وتذهب بدونه.  قل مع الذي قال لأليشع في يومه: «اقبل واذهب مع عبيدك» (2مل 3:6)، ولا تقنع بأقل من ذلك.  لأن في هذا أمنك وسلامك.  والرب يحب هذا التوّجه فينا. 

إن حياتنا عبارة عن مجموعة قرارات.  وكل قرار سيترتب عليه أشياء.  وهذه القرارات ستؤثر حتمًا على مَنْ حولنا سلبًا أو إيجابًا.  وليس عيبًا أن أتخذ قرارًا وأكتشف أنه خطأ.  لكن العيب أن أُصرَّ عليه وأتمادى فيه.  وعليَّ أن أراجع نفسي وأكون مرنًا مع المعاملات الإلهية والنور الذي يصل إليَّ، والرب حافظ البسطاء.  ولتكن صلاتنا دائمًا:

سيدي ماذا تُريد    اهدني حيث تُريد
إنني لست أُريد   غير فعل ما تُريد

هذا هو «أليمالك» الحقيقي، وهكذا يجب أن يكون كلٌ منا في اختياراته وقرارته.

نحن لا نقرأ مطلقًا أن أليمالك في قصتنا صلَّى وسأل الرب قبل أن يأخذ قرار الهجرة.  ولو صلَّى لكان الرب حتمًا سيقوده ويحفظه من الخطأ.  ولو رجع إلى الشريعة لكان قد فهم فكر الله من جهة موآب.  ثم لكونه أبًا لأسرة، فهو مسؤول عن زوجة وولدين.  إما سيسعدهم أو يدمرهم.  لقد ذهب هربًا من الجوع، فمات في أرض الشبع.  وتبقى الحقيقة أنه «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (مت 4:4).  وكم من عائلات هاجرت لأجل النجاح المادي هربًا من الضيق والفقر، وربما تحقق هذا لها، لكنها تعرضت لمشاكل أكثر كثيرًا من الجوع، والمال لم يحلها.

لقد عال الرب شعبه في البرية 40 سنة بدون خبز، ولم يمت منهم أحد.  أطعمهم المَنْ الذي لم يعرفه آباؤهم، وأخرج لهم ماءً من صخرة الصوان.  وكل الجيل الذي مات في البرية لم يمت من الجوع، بل بسبب الشر وعدم الإيمان.  إنه مسؤول حتى لو سمح بالجوع، وسيعطي مع التجربة المنفذ.  والذي عال إيليا عند نهر كريث بخبز ولحم صباحًا ومساءً بواسطة الغربان، وعاله في بيت الأرملة المسكينة في صرفة، لم يتغير، ولا يزال حيًا، فلماذا نقلق؟!
كانت خطة الله أن ينزل يعقوب وأولاده إلى مصر ليتغرّب هناك لأن الجوع في الأرض كان شديدًا.  لكن الرب شجعه، وقال له: «لا تخف من النزول إلى مصر.  أنا أنزل معك وأنا أصعدك» (تك 46).  ونفس الشيء حدث مع الشونمية في أيام أليشع حيث سمح لها بأن تتغرّب في أرض الفلسطينيين بسبب المجاعة، وكان ذلك في مشيئة الله.  والله لم يسمح لها بأية خسائر (2مل 8).

والخلاصة في هذه الجزئية أنه لا توجد قاعدة واحدة لكل المؤمنين.  وما حدث مع أحدهم ليس قياسًا للآخرين.  وعلى كل شخص بإيمانه الفردي أن يذهب ليسأل الرب ويكون مستعدًا تمامًا أن يطيع.  وعندئذ ستكون النتائج مباركة.  وهو لن يُفشِّل مؤمنًا بسيطًا يسترجي رحمته ويبحث عن فكره وخطته في حياته.

ولنحذر من التهور والاندفاع، واتخاذ القرارات المصيرية دون تروِّي أمام الرب، وانتظار وضوح الرؤية.  ولنحذر من الاستحسان البشري أو السير بآراء الناس.  ولنحذر من الهروب من الضيق وتجاهل يد الرب التي تتعامل معنا.  والأجدر أن نخضع ونتواضع تحت يد الله القوية، ونسنتفيد من معاملاته فيرفعنا في حينه.

 (يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com