عدد رقم 6 لسنة 2006
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رحبعام- 4   من سلسلة: دروس من تيجان على رؤوس

محترف الزيف

ها قد وصلنا إلى نهاية ما سجّله الوحي عن رحبعام، بعد أن رأيناه في كل مراحل حياته يتصرف بحماقة ويدفع ثمنها غاليًا، ثم بخيانة للرب يدفع ثمنها أغلى كثيرًا.  وفى السطور الأخيرة من قصته درسًا لا ينبغي أن نفوته.

ليس كل ما يلمع ذهبًا!
يخبرنا الكتاب أن شيشق ملك مصر «أَخَذَ الْجَمِيعَ» كالجراد لم يُبقِ شيئًا، لكنه يحدِّد بصفة خاصة أنه «أَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ»، ثم يُعقِّب ببعض التفصيلات.  ففي حين لم يذكر لنا تصرّف رحبعام إزاء باقي المسلوب، فإنه يقول هنا: «فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ».  النحاس بدل الذهب!  يا للخداع!

والذهب بصفة عامة يحدّثنا عن ما هو إلهي وما يتميز بالمجد وبالنقاء وبالمصدر السماوي.  ونحن نتمتع ببهاء أتراس الذهب في حياتنا، فنعكس صفات الله؛ طالما كانت علاقتنا به في وضعها السليم تتميز بالتقوى وبالإيمان.  ولكن عندما نخون الرب بالابتعاد عنه، فنسمح للعالم (كشيشق ملك مصر) بأن يسرق المجد منا، ولا يعود الأمر كذلك!!

وعندما يذهب الذهب، تبدأ المحاولات في تعويضه بشيء آخر يلمع، بِغَضِّ النظر عن كونه بلا قيمة حقيقية.  ومن أين للمظاهر بالقيمة الحقيقية؟!  بل القيمة الحقيقية للحياة هي من عند ذاك الذي أشار يومًا على ملاك كنيسة اللاودوكيين أن يشتري منه ذهبًا مصفّى بالنار فيستغني (رؤ3: 18).

لقد أمكن لرحبعام أن يخدع الشعب.  وربما أفلح في أن يخدِّر ضميره ويقنع نفسه بأن شيئًا لم يحدث.  لكن هل كان من الممكن أن يخدع الذي يعرف أصول كل المعادن؟!  حاشا!  لا يمكن أن نخدع الله فالذي خلق المعادن باختلاف أعداد ذراتها، ينفذ بعينيه إلى داخل القلب، ويرى في الظلمة كما في النور، ويعرف ما وراء الأقنعة؛ فهل مثله يُخدَع؟!

لقد أضاع رحبعام بشرِّه أتراس سليمان الثمينة ، وتحوّلت على يديه إلى لا شيء.  وكم ضاعات كنوز الآباء التي كنزوها بالحياة التقوية بسبب خطايا الأبناء.  والأسوأ من ذلك أنها استُبدِلَت بما لا قيمة له من مظاهر جوفاء!  لنراجع أنفسنا بنظرة للماضي وللحاضر، ولنسأل أنفسنا: هل استبدلنا ذهبًا بنحاس؟!

يستدرك المؤرِّخ الإلهي السرد فيقول: « وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ السُّعَاةِ الْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ الْمَلِكِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَ الرَّبِّ يَأْتِي السُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ السُّعَاةِ.» لقد استمرت المراسيم الملكية كأن شيئًا لم يحدث!!  دون لوم على الضمير الذي مات وخبا صوته.  كان الأجدر به أن تدفعه الخسارة للعودة للرب باتضاع فيعوِّضه، فهو إله التعويضات (يؤ2: 25)، لكنه لم يفعل، أوليست هذه من حماقاته؟! أخشى أن نفعل مثله: فبدون قوة حقيقية تستمر مراسيم رسمناها لأنفسنا دون معنى حقيقي؛ فنذهب إلى اجتماعاتنا، ونردِّد ترنيماتنا، ونتلو صلواتنا، ونستمر في دراساتنا، ونمارس خدماتنا؛ فنحرم أنفسنا من فرصة أن نراجعها، ونكتفي بالشكليات.

ان من حق كل العيون أن ترى الأتراس الذهبية في أيام سليمان، بينما في أيام رحبعام كان ينبغي أن تُخفى عن العيون بعد استعمالها المظهري.  لماذا؟  ببساطة لأن النحاس يصدأ إذا تعرّض للعوامل الجوية، كما أن العين إذا اقتربت منه وتمعّنت فيه لبعض الوقت سيمكنها تمييزه.  ولهذا وذاك، وحتى لا ينفضح الأمر، كان ترتيب رحبعام أن تعود الأتراس إلى مخبئها، حتى لا يعلم شعب الله أن المجد قد زال.. لكنه كان قد زال!

إن التقوى الحقيقية ظاهرة للكل، ويمكن تمييزها، وكذلك المزيفة.  لذا لنحرص على أن نختار الأولى، فيكون الداخل كالخارج، ولا نضطر لأن نتظاهر ببعض الصفات عند اللزوم، ثم نرجعها إلى غرفة السعاة بعد ذلك.  بل لتتسم حياتنا بالشفافية فتظهر تقوى حقيقية في البيت أولاً، وأمام الزملاء والجيران، وبالتالي ستكون رائعة في وسط جماعة القديسين.

كان رحبعام بالزيف خبيرًا، لكن الوحي الإلهي كشفه، بل وفضحه؛ حتى يكون عبرة لمن يعتبر، ودرسًا لمن يبغي أن يتعلم؛ أما من لا يريد هذا أو ذاك فعليه أن يدفع الثمن، وما أفدحه.

  كان وزن الترس الواحد 600 شاقل من الذهب أي حوالي 6كجم.  وكان عددها 200 ترس (2أخ9: 15، 16)؛ أي أن المجموع 1200كجم من الذهب (عدا المجن)!!  وأترك لك حساب قيمتها اليوم!  في حين لا يخبرنا الكتاب عن أي مواصفات لأتراس النحاس التي صنعها رحبعام، وكأنه يريد أن يوحي لنا بأن لا قيمة لها مطلقًا!!  فهل لنا أن نتخيل حجم الخسارة؟!

***

استمر رحبعام بعد ذلك 12 سنة في الملك، لم يراجع نفسه، ولم يغير طريقه، ولم يسعَ لشيء أفضل.  هكذا انتهت حياة اتسمت بالحماقة والطيش، والعنف والزيف.  لرجل لم يهيء قلبه لطلب الرب.  وما أسوأها حياة!!

وإلى ملك آخر

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com