عدد رقم 1 لسنة 2004
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
بعد أن أجد شريك الحياة - دور الزوج   من سلسلة: الأسره المسيحيه..

يوضح الكتاب أن العلاقة بين الزوجين المسيحيين هي على قياس علاقة المسيح بالكنيسة.  وهنا يرقى بالعلاقة الزوجية جداً ويعطي           للمسئوليات المرتبطة بها بُعداً روحياً رائعاً.

«أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها، مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب.  كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم.  مَنْ يحب امرأته يحب نفسه.  فإنه لم يبغض أحد جسده قط، بل يقوته ويربيه، كما الرب أيضاً للكنيسة .. وأما أنتم الأفراد، فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه، وأما المرأة فلتَهب رجلها» (أف 25:5-33).

هذا الفصل، الذي يتحدث تفصيلياً عن المسئوليات الزوجية ورد في رسالة أفسس التي تشرح أكثر من غيرها مقام الكنيسة السامي والغنى الذي صار للمؤمنين بارتباطهم بالرأس المسيح.  لكن لأن الحق المسيحي لا يراد به المعرفة النظرية بل السلوك العملي، فإن الروح القدس أتى بهذه التفاصيل في هذه الرسالة ليؤكد أن الحياة المسيحية السامية تظهر في تفاصيل الحياة العملية.  ففي التعاملات الأسرية اليومية تتاح الفرصة لظهور الفضائل الروحية السامية.

وفي هذا الجزء من أفسس 5 يوجه الرسول بولس نصائح للرجال أكثر مما يوجه للنساء، مما يبين أن مسئولية الرجل أعظم من مسئولية المرأة.  والبرهان الواضح لذلك هو أن الرجل في بيته يمثل المسيح.  فهو مدعو أن يحب امرأته كما أحب المسيح الكنيسة، وأن يعتني بها كما يعتني المسيح بكنيسته. هذا هو القياس السامي الموضوع أمام الزوج وهو بلا شك يتطلب معونة إلهية خاصة.

«أيها الرجال أحبوا نساءكم».

  • ما المقصود بكلمة "المحبة"؟

هل هي عاطفة متأججة؟ هل هي كلمات رقيقة؟ هل هي تصرفات لطيفة؟

معروف أن كلمة «محبة» تقابلها ثلاث كلمات مختلفة في اللغة اليونانية:

  1. إيروس  EROS ويقصد بها الرغبة الشديدة أو الشهوة الجامحة والتي تسعى للحصول على أي نوع من اللذة أو المتعة من المحبوب.  وهذه الكلمة لم تستخدم أبداً في العهد الجديد، لكنها استخدمت بكثرة في الأدب اليوناني.  وعادة كلمة "حب" المستخدمة في العالم لا تزيد عن "إيروس".
  2. فيلو PHILEO وهي تصف العواطف الإنسانية الرقيقة وما يصاحبها من اهتمام وتقدير كما نرى مثلاً في محبة الصداقة الحميمة.  ومنها كلمة فيلادلفيا  PHILADELPHIA  أي المحبة الأخوية.  وقد ذكرت مراراً في العهد الجديد.
  3. أجابي AGAPAO  وهي المحبة غير المسببة التي تتسم بالبذل والتضحية.  وهي ليست موجة من المشاعر لكنها متأصلة في ذهن وإرادة المحب بحيث أنها تجعله دائماً يسعى لخير وبركة المحبوب.  وهذه الكلمة استخدمت كثيراً في العهد الجديد لتصف محبة الله لنا (يو 16:3)، ومحبته التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس (رو 5:5)، وكذلك مواصفات المحبة الأخوية (1كو 13).  وهذه الكلمة "أجابي" هي التي استخدمها الرسول بولس وهو يوصي الرجال أن يحبوا نساءهم.
  • والآن ما هي سمات هذه المحبة؟

أولاً: المحبة والتضحية:

لا توجد محبة حقيقية دون بذل وتضحية؛ هذا ما نتعلمه من المسيح: «بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة» (1يو 16:3).

والحياة الزوجية هي المجال الأعظم للتدرب على العطاء والتضحية بالنفس.  ولا مجال فيها للأنانية على الإطلاق.  الزوج المسيحي لا يكتفي بأن يخبر زوجته بأنه يحبها لكنه يواظب على العطاء المستمر لها.  إنه يدرك تماماً أنه مدعو ليرسم أمامها محبة المسيح الباذلة، لذا فهو يتدرب أن ينكر ذاته ويتنازل عن رغباته.  يعلم أنه هو المسئول الرئيسي عن سداد الاحتياجات المادية لزوجته ولا يتهرب من ذلك، بل يتعب ويبذل الجهد الشديد في سبيل ذلك.  وهو يؤجل الحصول على راحته ليوفر لها قسطاً من الراحة، كما أنه يضع جانباً احتياجاته الشخصية معطياً الأولوية لاحتياجاتها.

لكن هل نظن أن العطاء والبذل أمر مقبول من الطبيعة البشرية؟  كلا على الإطلاق.  فنحن جبلنا على محبة النفس والتمركز حول الذات.  كما أن العصر الذي نعيش فيه يتسم بالأنانية والتضحية بحقوق الغير لإشباع الرغبات الذاتية؛ «الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال .. بلا حنو (بلا عواطف طبيعية) محبين للذات دون محبة لله» (2تي 3).  لذا فعلينا أن نجتهد أن نكون في شركة مع المسيح دائماً حتى نُحفظ من روح العصر ومن الميل الطبيعي فينا، وبعمل الروح القدس يمكن أن نظهر هذه المحبة الإلهية السامية التي شعارها أنها: «لا تطلب ما لنفسها».

أيها الزوج المسيحي كيف تتصرف في حياتك الزوجية؟ هل تأخذ أم تعطي؟ هل تطالب أن تُقدِّم؟ هل ترغب في إسعاد نفسك أم إسعاد زوجتك؟

ليكن شعارك بنعمة الرب: «لا أرضي نفسي كما أن المسيح أيضاً لم يرض نفسه» (رو 1:15،3).

ثانياً: العناية الروحية:

كثير من الأزواج لا يدركون أن المسئول الأول عن الحالة الروحية للزوجة هو الزوج.  ويظنون أن مسئوليتهم الأساسية هي سداد الاحتياجات المادية، أما النواحي الروحية فتقع مسئوليتها على غيرهم.  لكن حيث أن الزوج يشغل مكان الرأس ويقوم بدور القيادة فإن مهمة تشجيع الزوجة روحياً ودفعها للأمام تقع على عاتقه.  وعملياً أكثر شخص يؤثر في الزوجة روحياً ولو بصورة غير مباشرة هو زوجها.

والزوج الفطن يدرك أن الاستقرار النفسي للزوجة وتمتعها بالسلام وسط مسئوليات الحياة، بل وإحساسها بقيمتها وأهمية دورها في بيتها، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحالتها الروحية.  ففي قربها من الرب تجد شبعها النفسي العميق مما يساعدها على القيام بمسئوليتها بسرور.

وكم من زوجات أمكنهن أن ينشرن جواً من الهدوء والسلام في الأسرة، بل وأيضاً من الفرح والبهجة كنتيجة لحالتهن الروحية «طوبى لكل مَنْ يتقي الرب ويسلك في طرقه .. امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك» (مز 1:128-3).

لذا على الزوج أن يقوم بدوره روحياً مع زوجته فيشجعها للصلاة معه، ويقدم لها بعض ما يحصله من فوائد من كلمة الله، ويشركها في أخبار عمل الرب المفرحة، كما يوفر لها الفرصة لحضور الاجتماعات ويدفعها بكل الوسائل للتقدم الروحي.  وليحذر من أن يكون عائقاً لها بأي تصرف جسدي، بل يكون سبب إنعاش لها باستمرار.  وإذا تعرضت لعثرة أو لانحناء أو إحساس بالفشل فليكن هو أول مَنْ يأخذ بيدها ويشجعها بكل لطف ووداعة.

ثالثاً: التقدير والإكرام:

«كذلكم أيها الرجال كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف معطين إياهن كرامة كالوارثات أيضاً معكم نعمة الحياة لكي لا تُعاق صلواتكم» (1بط 7:3).

هذه الوصية الإلهية الهامة تضع على الزوج مسئولية العناية النفسية بزوجته إذ يتعامل معها بتقدير وإكرام ويظهر لها المحبة واللطف.

ويمكن أن ألخص هذه الوصية في ثلاث نقاط:

  1. على الزوج أن يفهم زوجته جيداً، أن يدرك أن هناك اختلافاً في التكوين النفسي للمرأة عن الرجل تماماً كالاختلاف في التكوين الجسمي؛ فهي الإناء الأضعف؛ أضعف جسدياً.  كما أنها بشكل عام ليس لديها القدرة على ضبط عواطفها.  من هنا تختلف عن زوجها في أسلوب التفكير وفي ردود الأفعال كما أنها عموماً تُحمَل بالمشاعر أكثر منه بالفكر المنطقي.
  2. على الزوج أن يكون رقيقاً شفوقاً مع زوجته ما دامت هي الإناء الأضعف.  عليه أن يحرص على إشعارها بأنها ذات قيمة عظيمة لديه وأن يبين لها دائماً التقدير والإعزاز.  للأسف هناك أزواج لا يُعرن زوجاتهن أي اهتمام لما يقمن به ظناً أنهن يقمن بمسئوليتهن، فعلام الشكر؟ أما الأسلوب المسيحي فهو إبداء التقدير للزوجة لكل ما تقوم به، حتى من أعمال بسيطة.  ومَنْ منا لا يحتاج للتشجيع؟ فأي شيء يمكن أن يدفئ نفس الإنسان أفضل من الإعزاز والتقدير.
  3. على الزوج أن يكرم زوجته واضعاً في اعتباره أنه وإن كانت الإناء الأضعف، لكنها كأخت مؤمنة مساوية له تماماً في التمتع بعطية الحياة الأبدية والميراث الروحي الأبدي. 

وإكرامه لها يظهر في تفاصيل الحياة اليومية، مثل:

  • أسلوب الكلام الذي ينبغي أن يتسم باللطف ونبرة الشكر وأن يخلو تماماً من الملاحظات الجارحة أو التعليقات الساخرة أو أي صورة من صور الاستهزاء (راجع أم 16).
  • تجنب توجيه أي انتقاد للزوجة أمام الأولاد أو أمام أهل الزوج أو أمام الأصدقاء.
  • الحرص على عدم مقارنة الزوجة بأي امرأة أخرى سواء كانت إحدى الأقارب أو إحدى الأخوات في الكنيسة لأن هذا يسبب جرحاً عميقاً لمشاعر الزوجة.

ومتى حرص الزوج على التعامل مع زوجته بهذا الأسلوب المسيحي الراقي فإن شركته مع الرب لن تتعطل وصلواته لن تعاق، بل سيتمتع بابتسامة رضى الرب له.  ويا لها من بركة!

    (يتبع)                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com