«أقيم لأجل تبريرنا»
(رو 25:4)
القيامة وارتباطها بالنطق بالحكم بتبريرنا
«... نحن أيضاً (نظير إبراهيم) .. سيُحسَب لنا (الإيمان براً)، (نحن) الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات. الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» (رو 24:4،25).
لا شك أننا نجد في رسالة رومية الإجابة على سؤال أيوب الخطير قديماً: «فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟» (أي 2:9، 14:15، 4:25). ومحور الرسالة الرئيسي التبرير «بالفداء الذي بيسوع المسيح» (رو 24:3). ومعنى «التبرير» هو التبرئة من كل تهمة يمكن أن تقوم ضد المُبَرَّر (أع 39:13). على أن التبرير كما هو أمامنا في الكتاب المقدس يتضمن ما هو أكثر من مجرد البركة السلبية وهي إعفاؤنا بالتمام وبالعدل من الإدانة (الدينونة) التي كنا نرزح تحتها، بل يشمل أيضاً مركزنا أمام الله في المسيح في بر إيجابي وإلهي.
وإن قيامة المسيح من الأموات تعني أن الله قَبِل عمله بالنيابة عنا، وإلا ما كان قد أقامه من الأموات. إن قيامته تحمل الدليل على تبريرنا نحن، وبالتالي رضا الله عنا. لقد أصبح مرضياً علينا في المحبوب (أف 6:1)، ولنا قبوله ذاته أمام الله (1يو 17:4)!!
والموضوع الذي يتناوله الرسول بولس في الأصحاح الرابع من رسالة رومية ليس موضوع التبرير بكفارة المسيح كما في الأصحاح الثالث، بل مسألة الإيمان بالله الذي أقام يسوع ربنا من الأموات. والفكر البارز هنا ليس هو النعمة بقدر ما هو القدرة الإلهية. فالحق المُعلَن هنا، ليس نعمة ذاك الذي تألم من أجل خطايانا، بل تداخل الله بالقوة الظافرة لإقامة ذاك الذي أسلم نفسه ليحتمل الدينونة نيابة عنا، أو كما هو مكتوب هنا أنه «أًسْلِمَ من أجل (بسبب) خطايانا وأُقِيمَ لأجل (بغرض) تبريرنا». فالنقطة الرئيسية في أصحاح 26:3 هي «الإيمان بيسوع»، بينما النقطة الرئيسية هنا هي «الإيمان بمن أقام يسوع ربنا من الأموات»، هذا هو الله الذي نعرفه الآن.
والحق البارز في الأعداد الأخيرة من الأصحاح الرابع هو الإيمان بالله كمن يُحي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (17:4). ولقد آمن إبراهيم أن الله سيُعطي حياة للميت (أي لجسده الضعيف ولرحم سارة العاقر)، ولذلك حُسِبَ له الإيمان براً (ع 22). ولكن قد كُتِبَ هذا من أجلنا نحن أيضاً (ع 23)، لأن إيماننا يُحسب براً لنا عندما نؤمن بالله الذي أقام يسوع ربنا من الأموات. ولكن الفرق الوحيد هو هذا: آمن إبراهيم أن الله سيُعطي حياة للميت (أي لجسده الضعيف ولرحم سارة العاقر)، ونحن نؤمن أن الله قد أعطى حياة للأموات بقيامة الرب يسوع المسيح من الأموات.
لقد دُعيَ إبراهيم ليؤمن بوعد ولينظر أمامه إلى أمر سيتحقق، وكان إيمانه أن ما وعد به الله هو قادر أن يفعله (ع 21)، أما نحن فلنا الامتياز بأن نؤمن بواقع قد تثبَّت؛ فإيماننا هو أن الله قد فعل، ونحن ننظر إلى الخلف، إلى أمر قد تحقق وتمَّ كلياً وهو الفداء الكامل والمشهود له بقيامة مخلصنا وفادينا الرب يسوع، وتمجيده في يمين العظمة في الأعالي «.. ونحن أيضاً (نظير إبراهيم) .. سيُحسب لنا (الإيمان براً)، (نحن) الذين تؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات. الذي أُسلِم من أجل (بسبب) خطايانا وأُقيمَ لأجل (بغرض) تبريرنا» (رو 24:4،25).
وكما ذكرنا من قبل فإننا نلاحظ أن ربنا يسوع المسيح منظور إليه هنا لا ككفارة لأجلنا، كما في الأصحاح الثالث، بل كالبديل الذي وُضعت كل خطايانا عليه «الذي أُسلم من أجل خطايانا»، ولذلك تُعتبر إقامته من الأموات الشهادة الواضحة على محو تلك الخطايا من أمام الله، وعلى كمال قبول الله لعمل البديل وقبولنا فيه، وبالتالي فهذا يتضمن إنقاذنا من الحالة التي أوجبتها علينا خطايانا. فالأساس لتبريرنا هو دم المسيح «ونحن متبررون الآن بدمه» (رو 9:5)، ولكن الشهادة لتبريرنا هي في قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات «الذي .. أُقيم لأجل تبريرنا».
وهكذا نجد ثلاث طرق يتكلم بها الوحي عن التبرير:
-
إننا متبررون بدمه (رو 9:5) .. هذا هو الثمن المدفوع.
-
إننا متبررون بقيامته (رو 25:4؛ 1كو 17:15) .. هذا هو النطق بحكم التبرير لصالحنا.
-
إننا متبررون بالإيمان (رو 24:3، 25، 1:5؛ غل 16:2، 11:3؛ أع 39:13) .. هذه هي الواسطة التي بها نضع أنفسنا ضمن الذين ناب الرب يسوع عنهم وأُسلم من أجل خطاياهم.
لقد كانت ذبيحة المسيح لأجلنا، أي لأجل جميع المؤمنين. هؤلاء المؤمنين لهم كل الحق لأن يعتبروا المسيح المُخلِّص بديلهم، ولكل منهم أن يقول ما جاء في رومية 25:4 بصيغة المفرد: "الذي أُسلم من أجل خطاياي وأُقيم لأجل تبريري". إنه أُسلم للموت والدينونة بالنظر إلى خطايانا وأُقيم ثانية من الأموات بالنظر إلى تبريرنا.
«أُقيم» ليس بالنظر إلى أن تبريرنا تم ولأجل هذا أُقيم، لكن أُقيم بغرض إعلان التبرير، أي أن إعلان التبرير هو القيامة. فلقد دفع المسيح الصك وكانت القيامة هي المخالصة. لقد وقف مكاننا نحن المذنبين، وحمل مذنوبيتنا على خشبة العار، وما كان مطلوباً منا قام هو بتسديده عنا، وإذ قام من القبر أعلن دليل التسديد بالتمام. الله الديان العادل رضي تماماً واكتفى تماماً بما عمله المسيح على الصليب ومن أجل ذلك أقامه من الأموات.
«أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» .. كثيرون عند هذه النقطة يبترون الإنجيل ويتجاهلون الشق الثاني من هذه البشارة لخسارة نفوسهم، لأنه لا يمكن التمتع باليقين الكامل في الخلاص إذا نسينا أو تجاهلنا معنى قيامة المسيح. صحيح وبكل تأكيد قد تم حمل خطايانا وتحمل عقوبتها في موت المسيح، لكن الدليل على إعفائنا والصفح عنا والتصريح العلني عن ذلك كان في القيامة، وبدون هذا الشق الأخير لا يمكن التمتع بسلام ثابت وراسخ.
وقد صوَّر ذلك بمثال خادم الرب الفاضل الأخ/ ف. ب. هول، فقال:
< لنفرض أن شخصاً حُكم عليه بالحبس ستة شهور لجريمة ما، وسُمح لشخص آخر أن يكون بديله في قضاء العقوبة، فعندما تنفتح أبواب السجن ليدخل إليه ذلك البديل وليخرج منه ذلك المجرم، فإن هذا الأخير يمكنه أن يشير إلى بديله قائلاً: "هذا أسلم للسجن من أجل جريمتي"، لكنه لا يستطيع أن يستمر في كلامه قائلاً: "ولذلك لا يمكن أن أرى أبداً جدران السجن من الداخل كعقوبة على ما فعلته" كلا، لا يمكنه أن يقول هذا لأن هناك احتمال عدم وفاء العقوبة، وإلا فماذا يكون الحال إذا لفظ هذا البديل أنفاسه الأخيرة بعد قضاء شهرين فقط من مدة العقوبة تاركاً أربعة أشهر لم تستوفيها العدالة؟ إن من حق السلطة في هذه الحالة القبض على المجرم الأصلي ليستوفي بنفسه مدة العقوبة.
لكن لنفترض أنه قبل انقضاء الستة شهور بأسبوعين أو ثلاثة وُجد بديله يمشي في الشارع حراً، وعلم أنه بسبب حسن سيره وسلوكه حصل على عفو وأُسقطت عنه المدة الباقية من العقوبة وخرج حراً، فحينئذ يكون من حقه أن يقول في الحال: "إنك أُطلقت من السجن لأجل تبرئتي". نعم له أن يُحدِّث نفسه قائلاً: "إن كان بديلي قد سقطت عنه قوة الحكم وأُخلي سبيله فيما يختص بجريمتي، فأنا فعلاً قد بُرئت وأنا فعلاً حر وقد أُخلي سبيلي">.
وعلى ضوء هذا المثل تعتبر قيامة المسيح بمثابة الإعلان الإلهي للعفو الشامل عن كل مَنْ يؤمن بموت المسيح.
(يتبع)