عدد رقم 1 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أحجار الكتاب المقدس  

حجر الزاوية

قبل أن نتعرف عن بعض المعاني الروحية لحجر الزاوية، لنعرف أولاً ما هو المقصود بكلمة «حجر الزاوية».
فمعمارياً هو حجر الأساس الذي يوضع في أسفل البناء، ويقوم البناء عليه ويسمى حجر الزاوية ( corner stone)، أو هو الحجر الذي يوضع في قمة الحائط، وهو الذي يربط زوايا الحوائط بعضها ببعض، ويسمى رأس الزاوية (cap stone)، ولم تستطع الترجمة العربية أن تفرّق بين كلا التعبيرين بدقة. ولقد تكلم إشعياء عن حجر الزاوية باعتباره حجر الأساس (إش28 :16)، كما تكلم زكريا عنه باعتباره رأس الزاوية (زك4 :8)

وفي كل الأحوال فإن حجر الزاوية يشير إلى الرب يسوع المسيح، الذي هو أساس ورأس بناء الله الكامل.

ولقد ذُكر عن الرب أنه حجر الزاوية ثلاث مرات في العهد القديم، واقتُبس ذلك في العهد الجديد سبع مرات. وسوف نتكلم عن هذه المرات الثلاث ونشير إلى اقتباساتها السبعة في العهد الجديد.

1-الحجر المرفوض

«الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية» (مز22:118).

 ولقد اقتبست هذه الآية في العهد الجديد عدة مرات (مت42:21؛ مر10:12؛ لو17:20؛ أع11:4؛ 1بط7:2).

إن البناؤون هنا يشيروا إلى رؤساء الأمة اليهودية، الذين رفضوا الرب يسوع، والذي هو حجر كريم من الله. والعجيب إن الذين رفضوا الحجر لم يكونوا أناساً  لا خبرة لهم في أمور البناء، فنحن لا نقرأ عن ملاحين أو فلاحين، بل عن بنائين والذي يُفترض فيهم الخبرة والتخصص. فهم الذين لهم الإمكانية في تقدير الحجر الكريم. فكان الوضع الطبيعي هو أن أول من يرحب بالرب يسوع ويعطيه تقديراً وإكراماً هم رؤساء الأمة، لكن بكل أسف كانوا هم أول من أظهروا احتقارهم وازدراءهم بالرب يسوع رافضين أن يكون هو ملكهم ومسيّاهم، بل ما يزيد الأمر غرابة أنه رغم بغضتهم الشديدة لقيصر إلا أنهم فضّلوا قيصر عن المسيح قائلين: «ليس لنا ملك إلا قيصر» (يو15:19)، بل إنهم فضّلوا باراباس القاتل عن المسيح (مت15:27-22). إنها بحق مأساة، بل حماقة المتخصصين.

وفي الواقع عندما جاء المسيح إلى هذا العالم كانت توجد "أبنية" ضخمة متنوعة. كان هناك البناء الديني اليهودي، الذي ارتد وابتعد كثيراً عن فكر الله، وكان على وشك الاضمحلال والانهيار. وكان هناك البناء السياسي ممثلاً في المملكة الرومانية، والتي نشرت ذراعها الطويل لتسيطر على معظم ممالك العالم. وكان هناك البناء الثقافي والعلمي الممثل في الحضارة الإغريقية اليونانية. ولقد حاولت كل هذه الإنشاءات أن تستحضر شخص الرب ويطابقوه على أبنيتهم وأنظمتهم الخاصة بهم لكي يُشكِل جزءاً من بنائهم الخاص، ولكنهم وجدوا أن هذا الحجر الكريم لا يطابق تصميماتهم وأنظمتهم - تلك التصميمات والأنظمة الفاشلة التي وضعها العالم ليسير في ركابها وبمقتضاها -  فكانت النتيجة الحتمية والطبيعية المتوقعة أن يُرفض هذا الحجر الغريب، وتم المكتوب أن المسيح صار لهم «حجر صدمة وصخرة عثرة» (رو9 :33؛1بط2 :8).

ولكن ذاك الذي رفضه العالم الديني والسياسي والثقافي كان هو الأساس الكريم الذي في قصد الله، والذي عليه سيقيم أعظم بناء ستراه الخليقة منذ تأسيس العالم، وهو الكنيسة (1كو11:3؛ أف20:2-22).

2-حجر الامتحان

«هأنذا أؤسس في صهيون حجراً حجر امتحان حجر زاوية كريماً أساساً مؤسساً. من آمن لا يهرب» (إش 16:28).

عندما جاء المسيح إلى هذا العالم، وضع الله امتحاناً جديداً أمام الإنسان، ولقد كان هذا الامتحان يختلف عن الذي في الجنة، والذي كان مكوناً من سؤال واحد ..«لا تأكل»، كما اختلف عن الذي عند جبل سيناء، والذي كان مكوناً من اثني عشر سؤال (يتلخصون في كلمتين اعمل أو لا تعمل). أما الامتحان الذي وضعه الله الآن فهو من سؤال واحد، والإجابة عليه تتلخص في كلمة واحدة .. "نعم" أو "لا"، بل وقد أعطى الله الإجابة الصحيحة مع الامتحان «من آمن به لا يهرب».  فلقد قصد الله أن يكون الامتحان سهلاً جداً، حتى يتسنى لكل إنسان أن يُجيب عليه.

من أجل ذلك ما أرهب المصير الذي ينتظر من لا ينجح في هذا الامتحان ويحاول أن يرتكن على أمور أخرى مهما كانت بجانب المسيح.

ولقد تكلم الرسول بطرس عن المسيح كالحجر الذي رُفض، إلا أنه يُؤكد أن لا خلاص بدونه، ولا إيمان سوى به «هذا هو: الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون، الذي  صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص.  لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص» (أع11:4، 12).

ولقد نجح الأعمى في هذا الامتحان عندما سأله الرب قائلاً: «أتؤمن بابن الله؟»، فكانت إجابته الحلوة «أومن يا سيد!.  وسجد له» (يو35:9-38).

بينما فشل رؤساء الأمة في ذات الامتحان في الفصل الذي يسبق ذلك مباشرة عندما «رفعوا حجارة ليرجموه» (يو59:8).

بل ما أعجب أن نرى اللص ينجح في هذا الامتحان، ونسمعه يقول وهو على الصليب: «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك» (لو 42:23). فلقد استطاع أن يرى في المسيح ما لم يستطع رؤساء الأمة أن يروه، ويدعوه هنا "رباً" ؟! لقد رأى في الصليب عرشاً وفي إكليل الشوك تاجاً وفي الأطلال قوة ومجداً ؟ إنه الإيمان الناتج عن عمل الله في القلب.

ولقد أُشير إلى هذا النص مرتين في العهد الجديد. الإشارة الأولى في 1بطرس2 :6 وهو يُركز على ذات الفكرة هنا وهي أهمية الإيمان بيسوع المسيح، والإشارة الثانية في أفسس2 :20 وهو يركز على شخص المسيح كمن يربط البناء كله من أساسه.

3- حجر الكرامة

«فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين: كرامةً، كرامةً له» (زك7:4).

هناك قصة في التقليد اليهودي ربما تكون صحيحة، وقد تُعطي ضوءاً لفهم هذه الآية.

وقبل أن نسرد القصة نريد أن نوضح الأسلوب الذي كان متبعاً في بناء الهيكل، وهو أن تُقطّع الحجارة وتُجهّز وتُرقّم في المَحجَر، ثم تُرسل لتوضع في أماكنها. وكلنا يعرف أن الهيكل المُراد بنائه الآن كل حجارته موجودة ومُرقّمة ومُجهّزة على التركيب، فهذا هو النظام في كل هيكل بُنيَ حتى الآن .. سواء هيكل سليمان أو هيكل زربابل أو الذي سيُبنى في المستقبل.

تقول القصة إنه أثناء بناء هيكل زربابل بينما العمال يضعون الأحجار كلٍ في مكانه، وجدوا حجراً لم يستطيعوا أن يوافقوه في أي موضع فتركوه جانباً، وبعد أن تمّ البناء ولم يبقَ سوى الحجر الأخير الذي هو رأس الزاوية، لم يجدوه، فأرسلوا يطلبونه متسائلين كيف لم ترسلوا إلينا أهم حجر؟ فجاءهم الجواب إننا قد سبق وأرسلناه، وعليكم أن تبحثوا عنه عندكم، وبعد طول بحث تذكّر أحدهم أنه كان هناك حجرٌ سبق ورفضوه ووُضِعَ جانباً، فبحثوا عنه وفيما هم يُخرجونه من بين الردم والأتربة هتفوا له مُظهرين فرحتهم بالعثور عليه، إذ به قد اكتمل البناء.

ولا شك أن الهتاف المذكور هنا ليس المقصود به فحسب الحجر الحرفي، بل ذاك الذي يقول عنه الرسول بطرس: «هنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريما،ً والذي يؤمن به لن يُخزى.  فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة، وأما للذين لا يطيعون، فالحجر الذي رفضه البناؤون، هو قد صار رأس الزاوية» (ابط6:2، 7).

وسوف يأتي هذا اليوم عن قريب، حيث يُكرَم المسيح ويتم ما قاله المرنم: «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه» (مز24:118). حينئذ يهتف الجميع: «كرامةً، كرامةً له»

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com