عدد رقم 1 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخدمة النموذجية   من سلسلة: في خدمة الرب

مبادئ هامة من خدمة الرسول بولس (1)

(اقرأ من فضلك 2كو 17:3 إلى 2كو 12:4)

لا شك في أن الرسول المغبوط بولس، يأتي في تاريخ الشهادة المسيحية في مقدمة الخدام النموذجيين بعد "الخادم الكامل"؛ ربنا يسوع المسيح. فشخصيته الفذة، وثقافته العريضة، وغيرته المتقدة، وأسلوبه الفلسفي الراقي شكلت معاً الجانب الإنساني، أو «الوزنات» الطبيعية لطاقة غير عادية لتكوّن خلفية خادم من طراز فريد. أضِف إلى ذلك امتيازاته الدينية (في 1:3-9) كيهودي، ثم عمل نعمة الله في نفسه باعتباره أول الخطاة ليصبح خادم الكنيسة ومؤتمناً على سر اتحادها بالمسيح الممجد، و 14 رسالة يستخدمه الوحي في كتابتها من بين 21 رسالة في العهد الجديد كله (أي ثلثي الرسائل) وأربع رحلات خدمة في زمان لم يكن فيه التجوال بين بلدان العالم أمراً سهلاً. ثم نأتي إلى المواهب التي أُعطيت لهذا الإناء المختار (أع 15:9)، والذي عرف طريق التكريس الحقيقي لحظة تجديده، ولم يدع شيئاً يعطل سعيه -حتى العلاقات الاجتماعية- مضحياً بأمر الزواج لأجل الخدمة إذ عرف أن هذه هي مشيئة وإرادة سيده، بل ومستخدماً مهاراته الزمنية كخيّام لأجل الإنجيل.  نقول إنه رسول، ونبي من جهة المواهب التأسيسية في كنيسة الله. ثم هو مبشر، ومعلم، وراعٍ، في آن معاً… وغير ذلك الكثير مما يدفعنا في معرض حديثنا عن خدمة الرب أن نتوقف قليلاً لنلتقط دروساً لأنفسنا في ذات الموضوع، ولنأخذ لقطة نتأملها في جانب من خدمته بحسب الأعداد المذكورة في صدر هذا المقال. لنرى سبعة أمور هامة:

  1. طابع الخدمة: (2كو 17:3-1:4)

    إنها خدمة الروح؛ الروح القدس، لا الحرف (أي الناموس). فنحن في يوم أو دهر الروح القدس. ثم إنها خدمة مرتبطة لا بأمجاد جبل سيناء، بل بأمجاد المسيح، أو بالحري المسيح المُمجَّد نفسه. وهي خدمة مجد تنقلنا -جميعاً- من مجد إلى مجد كما يفعل الروح القدس نفسه.  إنها خدمة عهد أفضل قد تثبت على مواعيد أفضل.  إنها خدمة نعمة طابعها "حرية" عمل روح الله. وأمام طابع الخدمة هذا في العهد الجديد أو بالحري "عهد النعمة" كان حرياً بالرسول أن يكتب «من أجل ذلك، إذ لنا هذه الخدمة- كما رُحِمنا- لا نفشل!!» (2كو 1:4).  إنها خدمة بُنيت على رحمة نلناها، في انتظار رحمة نتوقعها (يه 21)، وبين هذه وتلك ترافقنا الرحمة طوال الطريق، بل ويرافقنا إله المراحم نفسه لذا فهي خدمة لا يعرف الفشل طريقه إليها!
  2. أسلوب الخدمة: (2كو 2:4)
    ولأنها خدمة عظيمة بصفة الإجمال، فإن أسلوب تقديمها ينبغي أن يليق بطابعها المجيد.  وعن هذا الأسلوب يذكر الرسول خمسة أمور هامة:
    1. رفض خفايا الخزي: أو الأمور المخزية والتي تعمل في الخفاء.  إن أموراً كهذه كفيلة بتدمير الخادم والخدمة في آن واحد.  وهل يبغي العدو شيئاً أكثر من ذلك؟! لقد وُجِدْت في وسطهم أمور مخزية تُعمل في العلن، ويا للأسف! أما كل خادم حقيقي فليكن شعاره "قد رفضنا - (وهي ترد في الإنجليزية في صيغة الماضي التام We have rejected the hidden things of shame)- خفايا الخزي".  وليت وصية الرسول لتيموثاوس تكون شعاراً لكل من يخدم «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك.  لأنك إن فعلت هذا تُخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً» (1تي 16:4).
    2. عدم السلوك في مكر: فالشخص "المكّار" هو الذي يُظهِر غير ما يُبطن. وما أردأ هذه الصورة في الحياة بصفة عامة، أما في الخدمة فإنه -وبالحق- أمر قبيح! إن مثل هذا السلوك وراءه دوافع غير نقية أو مقدسة من تمجيد الذات ولو على حساب مجد الرب أو خير المخدومين. إنه أسلوب الخداع الذي يميز الحية القديمة أي إبليس، وما أكثر ما تتأثر به نفوس وقلوب السلماء!
    3. عدم غش كلمة الله: إن كلمة الله مشبّهة «باللبن العقلي العديم الغش» (1بط 2:2)، والطبيعة نفسها تعلمنا أن اللبن «العديم الغش» أو بالحري "كامل الدسم" يعتبر أثقل وأصعب في تناوله وفي هضمه على معدة الشخص من تناول اللبن المخفف بالماء.  إن غش كلمة الله بإضافة فلسفات وكلام البشر التافه إليها لهو أمر مُحبَّب للجسد سواء في الذي يخدم، أو في المخدومين الذين قد يستثقلون «اللبن العقلي العديم الغش» دون أن يدروا أنهم لن يحققوا نمواً روحاً حقيقياً بغير هذا الطريق.
    4. إظهار الحق: وهذه يمكن أن نأخذها بمعنيين: الأول هو "إظهار المسيح" الذي هو الحق (يو 6:14).  فالخدمة النموذجية غرضها وهدفها هو أن يختفي الخادم ويُستعلَن المسيح. والمعنى الثاني هو "إظهار الحق" على إطلاقه، أي إعلان ما تعنيه كلمة الله بصراحة وفي وضوح لا يحتمل اللبس.  وهذا الأمر ليس مستساغاً للنفس البشرية التي يصعب عليها أن تواجه الحقائق مجردة ودون تجميل! إن كلمة الله؛ كتاب الحق؛ مرآة تكشف أعماق وسرائر الإنسان.  وإن كان هذا الأمر غير مستحب لطبيعتنا إلا إنه لازم لأي تقدم روحي.  إن اختراق أشعة الحق الإلهي وكشفها لنفوسنا من الداخل باستمرار هي صمام أمان وأساس للعلاج والتقويم.
    5. مدح الخادم لنفسه لدى ضمائر الآخرين: «مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسان» إن سلوك الخادم ينبغي على الدوام أن يراعي «ضمائر» الآخرين، فعلى الخادم أن يجتهد من الجانب الواحد أن يرضي سيده؛ مَنْ جَنّده، ومن الجانب الآخر أن يراعي خلفية وثقافة وفكر المخدومين لئلا يعثرهم بقول أو فعل، وهو إذ يفعل ذلك لأجل نجاح خدمته فإنه يكون قد وضع لنفسه أساساً لدى ضمير كل إنسان يجعله يمتدح مثل هذا الخادم في أسلوبه، الأمر الذي يعود بالمجد للرب، وبالفائدة والبركة على الخدمة كلها.
      ثم يضم الخماسية السابقة كلها معلناُ أن هذا كله يفعله الخادم «قُدّام الله».  وكم هو لازم للمؤمن أن يحيا قدام الله وفي نور محضره… هذه من سمات حياة التقوى ومخافة الرب التي لا غنى عنها
  3. هدف الخدمة (2كو 5:4)

هذا الهدف ليس هو الخادم، ولا أفكاره، ولا الجماعة التي يرتبط بها، بل هدف الخدمة هو إعلان ربوبية المسيح «فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع رباً، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع».  إن غرض شهادة الروح القدس في العهد الجديد لمجد المسيح لا يقتصر على إعلان أن المسيح هو المخلص فحسب، بل هو في هدفه الكبير يعلن أن «يسوع رب»؛ هذا هو رب الكل ( أع 36:10).  وإن كان العدو يكره فكرة ربوبية المسيح هذه إلا أن التقيَّ يفرح بها، ويسعى في كل جزئيات حياته ليعلن عملياً هذه الحقيقة: أن «يسوع رب»، إنه سيد على كل جوانب الحياة، إنه الشخص الذي نحن له والذي نعبده والذي - كخدّام له (عبيده) - نحن مسئولون أمامه إذ هو سيدنا.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com