«قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 4:15)
(تابع ما قبله)
7- نبوة اليوم الثالث أو الثلاثة الأيام والثلاث الليالي (3)
نبوة اليوم الثالث في سفر الخروج
1- اليوم الثالث والانفصال عن العالم (خر3: 18، 5: 3، 8: 27)
مصر رمز العالم الحاضر (رؤ11: 8،9) فهي أرض «حام» الذي معنى اسمه "أسود" (تك10) فالظلمة تميز هذا العالم، وتقرير الله عن أمم العالم «أظلم قلبهم الغبي» (رو1: 21).
كذلك تشتهر مصر بآثارها القديمة وبقبورها وهياكلها، فهي أرض الموت، صورة العالم الحاضر مهما بدا أمام العيان جميلاً (أف2: 1-3).
أما فرعون، الملك الذي كان يحكم مصر، فكان سيداً قاسياً (خر1: 8 - 22) وهو صورة للشيطان، رئيس هذا العالم، الذي يقبض على أسراه بعبودية قاسية (يو30:14؛ أف2:2؛ 12:6؛ أع18:26). ولكن ما أعجب أن نرى ابن الله آتياً كالمحرر والفادي العظيم منادياً «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحك» (مت28:11) وأيضاً «روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية» (لو4: 18).
وبنو إسرائيل في خروج1، 2 يمثلون أولاد الله في هذا الدهر، الذين يريد الله لا أن يخلصهم فقط بل وأن يحررهم أيضاً من هذا العالم الحاضر الشرير (غل1: 4). ولقد جاء المسيح وأعد الفداء بدم صليبه، وغرض الله من الفداء ليس خلاصنا من دينونة الخطية فقط، بل ومن قوة وسلطان الخطية أيضاً. فالرب يسوع المسيح لم يأت إلى سوق العبيد لكي يشترينا فقط، بل ولكي يخرجنا ويحررنا أيضاً، وهذا هو معنى الفداء.
وصليب ربنا يسوع المسيح لم يرفع خطايا المؤمن فقط، بل فصله أيضاً عن العالم. وللمؤمن الحق أن يعتبر العالم قد مات له وهو مات للعالم «صلب العالم لي وأنا للعالم» (غل6: 14). هذا هو مركز المؤمن بالنسبة للعالم، فلا للعالم علاقة معه، ولا علاقة له مع العالم. هذا هو امتياز كل المؤمنين الحقيقيين، وياله من امتياز خطير ويالها من مسئولية خطيرة أيضاً. فالمؤمن والعالم يجب أن يكونا على طرفي نقيض ولا علاقة للواحد مع الآخر، وبمقدار أن يسمح المؤمن لنفسه أن يحتك بالعالم ويتودد إليه، بهذا المقدار يُحسب خائناً للمسيح متباعداً عنه.
والصليب، الذي هو أساس سجودنا، يتضمن دينونة العالم ونهاية الإنسان في الجسد (يو12: 31، رو6:6). ولهذا فمن الطبيعي أن يكون الصليب بمعناه الحقيقي هو هدف بغضة العالم وعدائه، ولهذا أيضاً لا يمكننا السجود والعبادة للرب بينما نحن في مناخ هذا العالم وتحت سيطرة رئيسه (خر26:8). فالانفصال عن العالم صفة لازمة لعبادة الله الحي الحقيقي وحده، ولا يقبل الله منا عبادة وسجوداً، ولا نستطيع أن نتناول من يده شيئاً إذا تدنسنا بهذا العالم الحاضر الشرير «لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب القادر على كل شيء» (2كو17:6،18). ومن كل هذا يمكننا أن نفهم لماذا لم يكن ممكناً أن يجتمع الله في مصر مع شعبه المفدي. فالفداء والانفصال عن العالم كانا بمثابة أمر واحد.
ولهذا يقول موسى لفرعون بسلطان كلمة الله «هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية .... إله العبرانيين قد التقانا، فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا» (خر1:5-3). وفرعون أجاب بالصدق عندما قال «لا أعرف الرب» (خر2:5) فلو كان يعرفه لما استهان به كالإله الحي الحقيقي وحده. ولكنه بعدم معرفته إياه فقد ابنه، ومملكته ونفسه.
لقد أراد الرب أن يذهب شعبه سفر «ثلاثة أيام في البرية»، فالعيد للرب يجب أن يكون خارج مصر، لأن محبة العالم (أي مصادقة العالم) هي عداوة لله، لأنه «أية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان» (2كو14:6-18؛ أف11:5؛1يو15:2-17؛ يع4:4). فلم يكن من المحتم على بني إسرائيل أن يخرجوا من مصر فقط، بل أن يذهبوا سفر ثلاثة أيام في البرية، لأنه في الثلاثة الأيام نرى القيامة، نرى الموت والقيامة مع المسيح «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله» (كو1:3-3). والرب لا يمكن أن يقبل ذبيحة أو أن يُبنى له مذبح في مصر (أي العالم)، وإننا لا نستطيع أن نخدم سيدين (مت24:6)، وهذا الأمر يجب أن يفهمه كل مؤمن.
لقد أراد فرعون أن يذبحوا للرب في الأرض، أرض مصر (خر25:8)، وإذا تركوا الأرض فعليهم ألا يذهبوا بعيداً (خر28:8). ولكن غرض الله هو أن يكون هناك انفصال تام عن هذا العالم وعن إله هذا العالم، وهذا لا يتم إلا إذا اتخذنا مكاننا في أرض القيامة. وسفر ثلاثة أيام في البرية يأتي بالشعب إلى ما وراء بحر سوف حيث لا تستطيع جيوش فرعون الوصول، وحيث لا يستطيع فرعون أن يقتفي أثرهم، وطوبى للذين متى خرجوا من مصر يختبرون في نفوسهم ويظهرون في تصرفهم ويشهدون بأعمالهم أنهم قد وصلوا إلى هذه النقطة عالمين أن صليب المسيح قد صلب العالم لهم وهم للعالم.
كان فرعون راضياً أن يكون بنو إسرائيل متدينين على شرط أن يكونوا في مصر أو قريبيين منها، ولكن موسى فهم الحيلة ورفضها رفضاً باتاً «فقال موسى لا يصلح أن نفعل هكذا ... نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا كما يقول لنا» (خر26:8،27). لقد رفض موسى أن يوفق بين مطاليب الله ومطاليب فرعون.
والشيطان أيضاً لا يمانع قط في تدين الناس بديانة عالمية، وهو لا يقاوم شخصاً يسير مع العالم في ديانته، وليس له اعتراض على مسيحيين عالميين، وهو يوافق على تدين الإنسان بشرط أن يظل تحت سيطرته، وهكذا كان قايين عندما قدم قربانه للرب مع أنه كان من الشرير (تك3:4؛1يو12:3). إن الشيطان لا يقاوِم إلا الشخص الذي يريد أن يسلّم القلب تماماً للمسيح. ولكن الله يريدنا أن نحفظ أنفسنا بلا دنس من العالم (يع27:1) لأنه لا عيد ولا عبادة ولا سجود حقيقي للرب بدون الانفصال الكامل عن مصر، عن العالم.
وهنا الانفصال الصحيح عن مصر «سفر ثلاثة أيام في البرية»، والمؤمن لا يقنع بأقل من ذلك. كما أن شعب إسرائيل كان ينبغي أن ينفصل عن أرض الموت والدينونة بقوة القيامة من الأموات، وبحر سوف (البحر الأحمر) كان لا بد من خوض غماره ليجتاز في وسطه مفديو الرب ويصبح هو الفاصل بينهم وبين أرض مصر حتى يذبحوا للرب ذبائح مقبولة. وفي الواقع فإن الشعب لم يقدم كلمة حمد وشكر لله إلا بعد ما عبر البحر الأحمر وأصبح بقوة الفداء على الجانب الآخر. وهكذا الأمر الآن، والمؤمن يجب أن يفهم مركزه بالنظر إلى موت وقيامة الرب يسوع المسيح حتى يستطيع أن يصبح ساجداً حقيقياً وخادماً مقبولاً وشاهداً أميناً لله. مختبراً في نفسه القول «أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم» (غل6: 14).
أيها الأحباء ... لكم نحتاج إلى قوة حياة الله، ولكم نحتاج أن نفهم ونختبر قوة ومعنى «سفر ثلاثة أيام في البرية» لكي ننفصل عن مصر بالكلية، فلا ننفصل عن عبودية الطين واللبن ومسخري أرض فرعون فقط، بل هياكلها ومذابحها أيضاً.
(يتبع)