عدد رقم 1 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
محلة وأخواتها   من سلسلة: شابات الكتاب المقدس

هن خمس فتيات، مات أبوهن وتركهن وحيدات، بلا أخ ولا زوج.  كن فتيات صغيرات، لم يتجاوز عمر الكبرى منهن - على الأرجح - عشرين عاماً، إذ لم يكن قد تزوجن بعد، في عصر وحضارة كانت الفتيات فيه يتزوجن مبكراً.  لكنهن - رغم كل ذلك - أظهرن من الخصال والصفات ما جعل قلب الله يسر، فخلد ذكراهن، وسجل أسماءهن في الوحي أربع مرات (عدد 26؛ 27؛ 36؛ يش17).  وأسماؤهن هي:محلة ونوعه وحجلة وملكة وترصة.

وردت قصة «محلة» وأخواتها في سفر العدد.  قبيل عبور الشعب تحت قيادة يشوع بن نون نهر الأردن لامتلاك أرض الموعد.  وبالتالي فيمكن بسهولة استنتاج أن هؤلاء البنات الخمس ولدن في البرية.  ويمكننا أن نتصور كيف حكى الأب لبناته قصة عبور الشعب للبحر الأحمر بقيادة موسى، وكيف تمجد الله بفرعون وجنوده، كما حكى لبناته كلمات الترنيمة التي رددها الشعب وراء موسى في ذلك اليوم، تلك الترنيمة التي تؤكد أن الشعب سيعبر مرة ثانية (نهر الأردن)، ويمتلك الأرض.  وهذا جعل هؤلاء البنات يتحرقن شوقاً لعبور الأردن وامتلاك ذلك الميراث المجيد.

سوسن في وسط الشوك:

وسفر العدد الذي وردت فيه قصة هؤلاء البنات الخمس هو سفر يميزه بصفة عامة عدم الإيمان.  ففيه نقرأ عن إرسالية الجواسيس ليتجسسوا الأرض، وكيف في عدم إيمان قرر عشرة من الجواسيس الاثني عشر استحالة دخول الشعب أرض الموعد، وكيف مال الشعب كله إليهم، رافضاً الاستماع إلى الجاسوسين الآخرين: يشوع بن نون وكالب بن يفنه.  بل إن الشعب كاد أن يرجمهما، لولا حفظ الرب لهما.  ثم كيف تطورت الأمور إلى الأسوأ إذ قرر الشعب أن يقيم رئيساً آخر بخلاف موسى يرجعهم إلى مصر، ويقول استفانوس إنهم رجعوا فعلاً بقلوبهم إلى مصر (أع39:7).  وكان نتيجة لكل ذلك أن قرر الرب أن تسقط جثث جميع الجيل الذي خرج من مصر، في القفر.  ويعلق كاتب العبرانيين على ذلك بالقول: «نرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان» (عب19:3).

وما أعجب أن السفر الذي يدور حول عدم إيمان الشعب بصفة عامة لا يختم إلا بصورة مباركة عن إيمان ظهر في فتيات صغيرات.

لقد كانت لهؤلاء البنات مشكلة. فلقد مات أبوهن صلفحاد قبل عبور الأردن، بسبب القضاء الذي أصدره الرب على كل الشعب.  ولما مات لم يكن له ابن بل بنات، وكانت الشريعة تقضي أن البنت لا ترث من ميراث أبيها.  فكانت مشكلة هؤلاء البنات هي: ماذا سيكون وضعهن عندما يقوم يشوع بتوزيع الأرض بالقرعة على الشعب؟  لا بد أنهن سيحرمن من أن يكون لهن نصيب في ميراث الرب؟

تقدير لأمور الله

وهنا نحن نرى أول الأشياء المباركة والرائعة التي ميزت بنات صلفحاد، ألا وهو تقديرهن للأمور الإلهية.  نحن نتذكر ما الذي جعل الله يرفض عيسو أخا يعقوب ويبغضه.  لقد كان السر في ذلك هو احتقاره للأمور الإلهية. يقول الكتاب إنه «لأجل أكلة واحدة باع بكوريته، فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع» (عب16:12،17).  لكننا هنا نجد فتيات صغيرات يظهرن عكس هذه الروح على خط مستقيم، يظهرن تقديراً عظيماً لأمور الله، ويسببن السرور لقلبه.  لقد حصلن على تخليد لذكراهن، وأراد الله أن يخبر في كل الأجيال بما فعلته هؤلاء الفتيات الصغيرات تذكاراً لهن (قارن مت6:26-13).

والتقدير الذي أظهرنه لأمور الله أفسح المجال لظهور الإيمان فيهن كما سنرى الآن.

إيمان بنات صلفحاد

والإيمان كما نتعلم من كلمة الله هو الشيء الوحيد الذي يبهج قلب الله في هذا العالم، لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عب6:11).  ولقد قيل إن المسيح لما كان هنا على الأرض لم يتعجب سوى من أمرين: من الإيمان، ومن عدم الإيمان. تعجب من عدم الإيمان الذي ظهر في أهل مدينته (مر6:6)؛ كما تعجب من إيمان اثنين من الأمم: رجل وامرأة (مت10:8؛ 28:15). وهنا - في قصتنا هذه - نجد الإيمان متوفراً بوضوح في بنات صلفحاد. 

يقيناً فإن الرب هنا، وفي وسط مشاهد عدم إيمان الشعب الذين بأكثرهم لم يسر الله (1كو5:10)، سر جداً بإيمان هؤلاء الفتيات الصغيرات.  فحقا كم هو جميل، أنه قبل أن تظهر أرض الموعد في الأفق، فإنهن أظهرن الإيمان في الوعد الإلهي، وذهبن إلى موسى وطالبن بالميراث.  لم تكن أعينهن الخارجية ترى سوى رمال وفيافي، لكن عيون الإيمان فيهن رأت المواعيد، وصدقنها وحيينها. وفي ما بعد سجل الرسول بولس أن «الإيمان هو الثقة بما يُرجى، والإيقان بأمور لا تُرى».  بل لقد رأت أعين الإيمان فيهن أرضاً بعيدة، هي أرض عمانوئيل، وعزّ عليهن جداً أن يُحرمن من ميراث الله المجيد. 

لكن لم يكن لديهن فقط إيماناً عظيماً، بل إيماناً حياً.  وكان إيمانهن له ثمره وفاعليته وتأثيره.  وإن كان عمل الإيمان، الذي يعطي للإيمان قيمة، ظهر بعد ذلك عندما دخل الشعب إلى أرض الموعد، وظهر في شابة كانت تعيش في الضياع، هي راحاب الزانية، عندما قرنت إيمانها بالله، بأعمال تبرهن أن إيمانها ليس مجرد عقيدة ميتة بل هو إيمان حي، فإننا نجده يظهر هنا قبيل دخول الأرض في بنات صلفحاد.

إيمان عامل بالمحبة

ترى كيف برهن إيمانهن عن نفسه؟ 

يقول الوحي في فاتحة سفر العدد والأصحاح 27: «تقدمت بنات صلفحاد..».  ولقد كان هذا الأمر يتطلب شجاعة أدبية وجسارة، أن تتقدم بنات صغيرات إلى موسى الشيخ، ومعه ألعازار رئيس الكهنة، والرؤساء وكل الجماعة وتطالب.  فهلا تعلمنا نحن شيئاً من هذه الجسارة من بنات صلفحاد؟  يقول الرسول: «فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة، لكي ننال رحمة، ونجد نعمة، عوناً في حينه» (عب16:4). 

لم يعرف موسى العظيم ولا رئيس الكهنة ولا الرؤساء كيف يجيبوا على طلب هؤلاء البنات الصغيرات.  فيبدو أن الأمر كان أعظم من موسى، لكنه بكل يقين لم يكن أعظم من إله موسى.  ولذلك فإن موسى قدم دعواهن أمام الرب (ع5).  فجاء رد الرب: «بحق تكلمت بنات صلفحاد، فتعطيهن ملك نصيب بين إخوة أبيهن، وتنقل نصيب أبيهن إليهن». 

ونحن أيضا بدورنا لنا الوعد الإلهي الكريم: أن طلباتنا التي بحسب مشيئته الصالحة تُسمع من الله وتُستجاب لنا.  فإذا اجتمعت الثقة في الله مع الطلبات التي بحسب مشيئته، يكون لنا ما أكده الرسول يوحنا عندما قال: «هذه هي الثقة التي لنا عنده، أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا» (1يو14:5).

مستنيرة عيون قلوبكم:

لكننا قبل أن ننهي حديثنا هذه المرة عن بنات صلفحاد نريد أن نوجه فكر القارئ إلى ناحية أخرى.  فحادثة سفر العدد 27 هي حادثة ملذة، لا سيما في أيامنا التي فيها قل الاهتمام بالميراث السماوي، وبما صار لنا من نصيب عجيب في المسيح، وأصبح الناس بصفة عامة يفتكرون في الأرضيات، ناسين أن سيرتنا نحن هي في السماوات، وأن ميراثنا هو في السماء، وهناك يجب أن يكون كنزنا.  وبالتالي فقد ميزت روح عدم المبالاة الكثيرين منا.

ترى هل نحن نقدر الميراث؟  وهل هذا الميراث يملأ أذهاننا؟ هل نقدر تلك الحقيقة السامية والعجيبة أننا صرنا أولاد الله، وإن كنا أولاداً فنحن ورثة أيضاً؟ هل عيون قلوبنا - كما صلى الرسول بولس لأجل القديسين في أفسس - مستنيرة، لنعلم ما هو غنى مجد ميراث الله في القديسين؟  إن حدود ذلك الميراث هو كل شيء، سواء كان ما في السماوات أو ما على الأرض (أف10:1).  هذه كلها لا بد أن تكون ميراثاً للمسيح، الذي جعله الله وارثا لكل شيء (عب1: 2)، لكنه سيرث الكل عن طريقنا نحن.  فكما امتلك الله قديما أرض عمانوئيل عن طريق امتلاك شعبه لها، هكذا عن قريب سوف يرث كل ما في السماوات عن طريق الكنيسة ومن خلالها، وذلك بعد أن يطرح الشيطان وملائكته من السماء.  فياله من غني عظيم ومجيد.  ترى هل تشغلنا عن هذا الميراث المجيد أكله واحدة يقدمها لنا الشيطان أو العالم أو الجسد؟  عار علينا إذا فعلنا عظيم! 

إن موسى عندما احتقر كنوز مصر والتمتع الوقتي بالخطية، لم يكن لديه فكرة عن هذا الميراث المجيد، فكم ينبغي علينا نحن أن يملأ هذا الميراث السماوي قلوبنا فنتحول كلية عن دنايا هذا العالم الفاني.  

 (يتبع)

شذرات
  كم نشكر الله من أجل وعورة البرية حولنا لأنها هي التي تخلق فينا العطش إلى السيد الذي عنده ينبوع الحياة.  ولكن داود لم يعطش إلى مياه يعطيها الرب، بل عطش إليه هو شخصياً.  «عطشت إليك نفسي».
«من تعب نفسه يرى ويشبع»، هذا سيتم بأكمل وأروع صورة حينما يرانا معه ومثله.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com