البطالة واحدة من أصعب تحديات العصر الحاضر، يعاني منها عشرات الملايين من البشر، في مراحل مختلفة من العمر، في كل أنحاء العالم بلا استثناء. وحتى وقت قريب، كان هناك اعتقاد بأن المشكلة محلية فقط، ولكن الأزمة المالية الطاحنة التي ضربت العالم بأسره في النصف الثانى من عام 2008، أدَّت إلي إفلاس بعض البنوك والمؤسسات المالية الذائعة الصيت، وأغلاق مؤقت، أو دائم، لبعض الشركات العالمية العملاقة، كما أدّت إلى فقد مئات الآلاف لأعمالهم في بلدان وصناعات مختلفة.
وبالرغم من اتساع أبعاد الأزمة عالميًا، يواجه الشباب في بلادنا هذا التحدي بكيفية خاصة، متزايدة وعنيفة؛ فالتسابق علي فرص العمل محموم ورهيب، والفرص قليلة، وأحيانًا معدومة، والمتاح منها ليس دائمًا مرغوبًا، والمقابل المادي وظروف العمل ليست الأفضل في كل الأحوال. وتبدأ معاناة الشباب من البطالة بمجرد الانتهاء من الدراسة، وبداية رحلة شاقة للبحث عن عمل، تتحداهم فيها عشرات الأسئلة عن: مدي كفاءة وفاعلية الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في توفير فرص مناسبة للعمل، ومدى عدالة ونزاهة توزيع الفرص القليلة المتاحة. ولعل أعنف ظواهر التعبير عن الأزمة، هي موجات الهجرة غير الشرعية، التي فقد فيها الآلاف من الشباب حياتهم، هروبًا من واقع مظلم إلى مستقبل مجهول أكثر إظلامًا وأشد قسوة.
يمتلئ الشباب بالأمل عندما يبدأ البحث عن فرصة عمل، مُرضية مهنيًا، ومجزية ماليًا. وحين يطالع مئات الإعلانات عن وظائف خالية في الصحف المختلفة، وفي المواقع الالكترونية المتخصِّصة، والتي تعد الشباب بالعمل الذي يطمح إليه ويحلم به ”dream Job“، يتكوَّن لديه إحساسًا بالحيرة، ويتسائل: أين البطالة؟ ولكن حين تطول هذه الرحلة، يتعرض لقدر هائل من الإحباط وخيبة الأمل والشعور بالفشل والرفض، وأحيانًا المرارة والنقمة علي المجتمع بكافة أنظمته. وتتحدى الشاب المسيحي المؤمن أسئلة عديدة عن: ترتيب الله لحياته، وعنايته بأموره واحتياجاته المتنوعة. وقد يعانى من الحيرة والارتباك فى فهم معاملات الرب وما يسمح له باجتيازه.
وفي محاولة الحديث عن أبعاد البطالة كتحدّي للشباب، سنتعرض باختصار للأفكار التالية:
حجم التحدى
مع أن الهدف من تناول الموضوع هو التركيز على الحلول وكيفية مواجهة التحدى، وليس بحثه أو تحليله، لكنه ربما يكون من المفيد الإلمام ببعض أبعاده باختصار، كما سنفعل فى السطور التالية:
- طبقًا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى يونية 2008، يُقدَّر حجم قوة العمل فى مصر بـ 24.6 مليون، ويُقدَّر عدد العاملين فعليًا بـ 22.5 مليون؛ ليكون بذلك عدد من يعانون من البطالة حولي 2.1 مليون شخص بنسبة 8.4% من قوة العمل .
- تعتقد بعض الجهات غير الرسمية أن النسبة الحقيقية للبطالة أعلى من ذلك (8.4%) بكثير، خاصة اذا أُعيد تعريف ”العاملين“ بمعايير أكثر واقعية.
- يُقدَّر عدد القادمين الجُدد لسوق العمل بحوإلى 600.000 شخص سنويًا، ولا يتوائم عدد فرص العمل الجديدة مع عدد القادمين الجدد، إذ تصل تكلفة خلق فرصة عمل حقيقية جديدة إلى حوإلى 100.000 جنيه مصرى .
- نسبة البطالة بين حاملى المؤهلات العليا والمتوسطة أعلى من مثيلتها بين غير المتعلمين .
- هناك عدم توافق بين المهارات اللازمة لفرص العمل الشاغرة، والمهارات المتوفِّرة لدى الباحثين عن عمل؛ لدرجة يرى فيها أصحاب الأعمال ومديرى الموارد البشرية، نقصًا شديدًا فى المهارات المطلوبة، وصعوبة فى العثور على كوادر مناسبة، بدرجة تعطِّل أحيانًا خطط التوسع والتطوير .
- لا توجد بوادر واضحة لتحسّن سريع فى الأمر، لارتباط ذلك بمعدلات نمو اقتصادى مرتفعة، ونظام تعليم مرتبط بسوق العمل، ومبني على احتياجاته. ويستلزم تحقيق ذلك عمل دؤوب ومتواصل لسنوات عديدة.
الاستناد على الرب لمواجهة التحدى
مما سبق، يتضح أن البطالة ليست أمرًا يعاني منه المؤمنون وحدهم، بل هي إحدي المصاعب والضيقات التي يواجهها الملايين في العالم، ويشعرون في ذلك بضغوط متنوعة وكثيرة، هي جزء مما يتعرض له الإنسان بشكل طبيعي من ضغوط، في المرض أو فقد الأحباء أو التعرض للكوارث الطبيعية أو الاحتياجات المادية والعاطفية، في كافة العصور والأزمنة والبلدان. ليس ذلك شيئًا يخصّ المؤمنين وحدهم، ولكن الشيء الذي يميِّز المؤمنين دون سواهم، هو علمهم بأن أمورهم، حتى إن كانت تتأثر بالظروف المحيطة، لكنها ليست نتيجة للظروف وحدها، بل هي جزء من معاملات وترتيب الرب «الحكيم وحده» لحياتهم وظروفهم. وهي فرصة أيضًا للاستناد على «الله القدير» الذي هو قريب من كل الذين يطلبونه ويستندون عليه. ولمزيد من التوضيح ينبغي الالتفات إلى أن:
الرب يعلم ويهتم
يعلم الرب جيدًا مدى الضيق الذي يتعرض له أتقيائه. وهو ليس ببعيد عن معاناتهم وإحباطاتهم. يعلم الرب العوز المادي المرتبط بعدم وجود عمل ودخل كافٍ لضروريات الحياة. ويعلم الرب، حين تطول أوقات البحث عن عمل (وظيفة أو عمل خاص)، وحين تكون إجابة السؤال مرات عديدة: ”ما تتصلش تاني، إحنا ها نتصل بك لو فيه جديد“. وحين يتعلق الشخص بالأمل المنشود لفترات طويلة، وتكون الإجابة مرات عديدة ومتكررة: ”معلهش، ما فيش نصيب“. وحين يشعر المتقدِّم لعمل في بعض الأحيان بجفاء وعدم اكتراث من يتعامل معهم، لدرجة الشعور بالمهانة والاستهانة بالأمر... يعلم الرب كل ذلك، وليس هناك شيئًا خافيًا عنه. نذكر ما كُتب عن الشعب القديم، حين كانوا في مصر تحت العبودية «ونظر الله بني إسرائيل، وعلم الله» (خر2: 25)، وأيضًا «إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض» (خر 3: 7-8).
حين يواجه الأتقياء الضيق، ينظر الرب ويعلم. فهو في ضيقهم يتضايق، وملاك حضرته يخلّصهم (إش 63: 9). يعلم الرب، ويحس بالضيق، ويتدخل بالمراحم، ويؤكِّد لقديسيه، أثناء هذه الظروف، اهتمامه بأدقِّ أمورهم وسداد أعوازهم «فلا تهتموا (أي لا تنزعجوا أو تقلقوا)... لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلها» (مت6: 31-32)، «لاتهتموا بشيء، بل فى كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر؛ لتُعلَم طلباتكم لدى الله» (في4: 6). وهو قد وعد صادقًا «لا أهملك ولا أتركك» (عب13: 5). أو كما هو مكتوب «الرب سائر أمامك. هو يكون معك. لا يهملك ولا يتركك. لا تخف ولا ترتعب» (تث31: 8).
الرب يدرِّب ويعلّم
«يدرّب الودعاء في الحق، يعلّم الودعاء طرقه» (مز25: 9).
حين نواجه ضغوطًا متنوعة في الحياة، يستثمر الرب ذلك لكي يعلّمنا ويدرّبنا عمليًا على كل ما تعلمنا. يعلمنا الرب دروسًا قيمة لا تُنسى، عن أمانة الرب والثقة في شخصه وصدق مواعيده، وعن كيفية اللجؤ إليه والارتماء الكامل عليه طلبًا للمعونة والمراحم. نظل نحاول البحث عن حلول، طالمًا بقيت أمامنا أفكار، وطرق للحل، ومعارف، ووسائط بشرية، وأشخاص يمكن اللجؤ إليهم وطلب مساعدتهم وتدخلهم. غالبًا ما نلجأ للرب بصراخ، وتذلل حقيقي حين توصَد كل الأبواب، وتُبتلع كل حكمتنا، ويُنتزع كل رجاء في النجاة. نلجأ للرب عندما نصل إلى قناعة «نحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا» (2أخ20: 12). وربما نستغرق بعض الوقت - طال أم قصر- حتى نتحول من «نحن لا نعلم ماذا نعمل» إلي «نحوك أعيننا». قد يستغرق ذلك أسابيع وشهور طويلة وصعبة، ولكننا نتعلم على أثر ذلك معنى سكب الشكوى (مز142: 2)، والانسحاق التام (مز9: 9)، عند قدمي السيد. يدرِّبنا الرب أيضًا على أن ننتظر مراحمه ونقبل بسرور مواقيته، ونتعلم التأني والتريث وعدم الاستعجال. كما نتعلم أن اندفاعنا لن يجلب لنا إلا مزيدًا من المتاعب والمصاعب والضيق.
نتعلم أنه حين يغلق الرب لا أحد يفتح، وحين يفتح لا أحد يغلق. نتعلم أيضًا درسًا لا يمكن أن نتعلمه إلا ونحن مضطرين له ومجبرين عليه؛ درس انتظار الرب «جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب» (مرا 3: 26)، ونسمع عنذئد الوعد المشجع «لتتشدد ولتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب» (مز 31: 24). نختبر كيف أن سلام الله الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبنا وأفكارنا فى المسيح يسوع فى وقت انتظار استجابة الصلاة.
الرب يسمع ويستجيب
بعد طول الانتظار والترقب وطلب المعونة؛ لا بد أن يتدخل السيد بحسب كثرة مراحمه، وبكيفية مباركة ومشجِّعة؛ فنشهد عندئذ أننا لم ننتظر عبثًا «أيضًا كل منتظريك لا يخزوا» (مز25: 3)، «انتظارًا انتظرت الرب؛ فمال إليَّ وسمع صراخي» (مز40: 1). فنختبر بطريقة ملموسة صلاح الرب، وكيفية مباركة لاستجابة الطلبة «الرب قريب لكل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق. يعمل رضى خائفيه، ويسمع تضرعهم، فيخلِّصهم» (مز 145: 18-19).
لا يوجد مجال، أو عوز، أو طلبة، تستعصي على الاستجابة والحل (إذا كان الامر بحسب مشيئة وقصد الرب في الحياة). نختبر عمليًا القول المأثور إن ”كل ما ينشئ فينا همًّا، ينشئ فيه اهتمامًا“. حين يستجيب الرب، نعلم أنه هو، لو تمهل، فإنه ينصف مختاريه، ونثق في أن مواقيته وطرقه لا تخطئ أبدًا، ونصادق على أن الله قد يتأني ويتمهل أحيانًا، ولكنه لا يصل على الإطلاق متأخرًا، حتى أذا أتى في الهزيع الرابع.
حين تُستجاب الصلاة، نرجع بالشكر للرب صاحب الفضل، واليد الممتدة بالاحسان من منطلق النعمة، وليس الاستحقاق، وليس لإمكانات خاصة فينا «الذى أطعمك فى البرية المنّ الذى لم يعرفه آباؤك، لكى يذلك ويجربك، لكى يحسن إليك فى آخرتك. ولئلا تقول فى قلبك: قوتي وقدرة يديَ اصطنعت لي هذه الثروة» (تث 8: 16-17).
بعض الاقتراحات العملية لمواجهة التحدي
يتبقى أنه هناك بعض الاعتبارات والاقتراحات العملية التى لا غنى عنها للتعامل مع هذا التحدي بفاعلية. فيما يلى البعض منها:
- نتظر الرب، واطلب من آخرين أن يشتركوا معك في الصلاة للأمر.
- اشترك في الصلاة لأجل الآخرين الذين يجتازون ظروفًا مماثلة.
- كن إيجابيًا.. كن إيجابيًا.. كن إيجابيًا.
- كن مثابرًا بلا حدود، وقُم بمتابعة أي فرصة عمل، حتى آخر بارقة أمل.
- اقبل حلول جزئية أو حلول مؤقتة، فما لا يُدرَك كله لايُترّك كله.
- اعتبر كل خطوة صغيرة هي دفعة هامة للأمام في طريق الوصول للهدف.
- إدرس جيدًا جميع البدائل المُتاحة؛ ابحث كل الاتجاهات التي تؤدّي بك لهدفك.
- ابحث بصبر ومرونة، وذهن متفتِّح عن المجالات المفتوحة للعمل، فقد لا يكون ذلك واضحًا من البحث السطحي وفي الأعمال التقليدية.
- لا تستبعد فكرة العمل الخاص، وابحث البدائل المتاحة فيها (بالاستعانة بالصندوق الاجتماعي وخلافه).
- لا ترفض عرضًا دون دراسته وتقييمه جيدًا؛ العمل البسيط قد يكون طريقك الوحيد للوصول إلى ما تحلم به.
- لا تعتبر أن عدم التوفيق في الحصول على فرصة عمل هو رفض لشخصك.
- تعرّف بشكل جيد على مهاراتك ونقاط تميزك وضعفك.
- تعرّف جيدًا على العمل الذي تحب أن تعمله، واجتهد في اكتساب المهارات اللازمة له.
- طوِّر نفسك باستمرار، لا تتوقف في أي وقت عن تطوير مهاراتك ومعلوماتك وإمكانياتك.
- علاقاتك وقدرتك على التواصل والتعامل مع الآخرين بطريقة فعالة وسلسة ومحبَّبة، لها نفس درجة الأهمية التى لإمكانياتك الفنية وقدرتك على إنجاز العمل. اهتم بتطوير هذه الجانب.
- قدّم نفسك لأي عمل بناءً على فهم جيد لمتطلبات العمل والكيفية التي بها تتناسب قدراتك معه.
- قم بتحضير السيرة الذاتية بعناية واهتمام. يُتوقع أن تكون السيرة الذاتية: مركزة، مختصرة، خالية من الأخطاء، مهدَّفة، موضوعية، شكلها جميل، محفِّزة ومشجِّعة للقارئ.
- ركز في السيرة الذاتية على الإيجابيات والإنجازات التي تحقَّقت في أي عمل سابق (بما فيها الأعمال التطوعية). واظهِر بشكل واضح مهاراتك وإمكانياتك.
- استعن بآخرين، مدرَّبين، لمراجعة السيرة الذاتية وتعديل ما يلزم فيها.
- حضِّر نفسك جيدًا لمقابلة العمل ”interview“؛ اعرف جيدًا المؤسسة المتقدم إليها - اعرف بعض المعلومات عمن سيتقابل معك - احتفظ بهدوئك - احتفظ بابتسامتك - كن رقيقًا ومجامِلاً - اهتم بمظهرك - حافظ على موعد المقابلة - قدّم (عندما تتاح الفرصة) إنجازاتك ومهاراتك التي تخدم العمل المطلوب وتؤهِّلك للحصول عليه.
- تعلّم شيئًا من كل مقابلة، وتعلّم من نجاح الآخرين وفشلهم.
- رحلة البحث عن عمل، غالبًا ما تكون طويلة وشاقة وتستلزم الكثير من الوقت والصبر. كن مستعدًا لذلك!
- تعرّف على نشاط بعض الهيئات المسيحية، أو الاجتماعية، المتخصصة في مساعدة الباحثين عن عمل؛ فقد تكون لديهم أفكار جيدة تناسبك وتقدّم لك مساعدة قيّمة.
- طالع باستمرار بعض المواد المساعدة، مثل: المطبوعات والمواقع الإلكترونية الخاصة بتطوير الموارد البشرية.
- لا تستسلم للمكوث في المنزل، ولكن مارس بعض الأنشطة المفيدة والنافعة.