أحبائي الشباب..
أعلم أنكم اليوم تواجهون تحدّيات كثيرة وكبيرة على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والروحية.
فالبطالة تتفاقم بمعدل كبير، والأزمة الاقتصادية العالمية تزيد الطينة بَلّة.
والتكنولوجيا تتطور بسرعة رهيبة، ولكونها صارت لا غنى عنها لمن يريد أن يقتحم سوق العمل؛ أضحت ملاحقتها عبئًا جديدًا.
ولأن الأسعار تتصاعد بجنون، أمسى الزواج مطلَبًا عسيرًا.
هذا ناهيك عن الضغوط الروحية والأخلاقية التي على الشباب أن يصمد أمامها، إذا أراد أن يعيش في مخافة الرب اليوم كله؛ فشبكة الإنترنت، والتي لا مفر من استعمالها، صارت فخًّا لكثيرين، سواء كان من خلال المواد الجنسية الإباحية التي تمتلئ بها، أو بإسقاط الكثيرين في كارثة إدمان مجرد الولوج فيها والإبحار بين شطئانها العديدة.
ومن جانب آخر هناك النقص الشديد في كم ونوعية الرعاية الروحية القادرة على الأخذ بأيديكم ومساعدتكم في مواجهة كل هذه التحديات.
لكن..
على الرغم من كل هذا يوجد رجاء،
فنحن لا نستطيع أن نغيِّر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، أوننزع منه تحدياته. إلا أننا قادرون - بنعمة الله - على أن نغيِّر من أنفسنا، لنصبح قادرين على مواجهته، بل وتحقيق أرباح عظيمة من وراء مواجهة تحدياته. أ لم تكن هذه هي نظرة الإيمان عند كالب بن يفنة، الذي عندما استعرض خطورة المواجهة مع العناقيين الجبابرة، لم يكتف بالقول: «نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها» (عد13: 30)، بل أضاف: «لأنهم خبزنا» (عد14: 9)؟! أي أنه، بالإيمان، رأى، ليس فقط التغلب على التحديات، بل تحقيق مكاسب من وراء مواجهتها! شبع ونمو جديد بسببها!
وكم أشتاق من كل قلبي، أن يكون هذا هو ردّ الفعل الأول عند كل شاب تعترضه تحديات العصر بكل ثقلها وسخافتها؛ ليس الهروب منها، ولا حتى مجرد قبول مواجهتها، بل رؤيتها فرصة عظيمة لاختبارات جديدة تقودنا إلى النمو في معرفة إمكانيات وطبيعة إلهنا.
لكن هذا التوجه الصحيح لن يتكوَّن عندنا إلا إذا كنا مقتنعين بثلاثة أمور في غاية الأهمية:
أولاً: أن نكون مقتنعين بأننا نعيش هنا لقصد وغرض سامٍ، حدَّده الله لكل منا، ولإتمام رسالة محدَّدة أبقانا الرب في الوجود من أجل إتمامها. وبالتالي، فهذه التحديات لم تكن خافية عن عيني الرب عندما رسم لنا هذا القصد وحدَّد لنا خطة تحقيقه. فهو الخبير بإمكانياتنا عندما نسجنا في بطون أمهاتنا، وهو العليم بالمستقبل الذي لم يفاجأ بهذه التحديات بعد أن رسم لنا خطة حياتنا. لكن السؤال المهم هو: هل نحن فعلاً وحقًّا نحيا مجاهدين لتحقيق هذا القصد، وللوجود الدائم في هذه الخطة؟ إن عشنا هكذا سنجد أن نفس الخطة التي رسمها الرب لتحقيق قصده، قد دبَّرت كل المعونات لمواجهة كل التحديات التي ستبرز في الطريق؟ لكن إن كنا نعيش هنا متجاهلين قصد الله وخطته، وعلى العكس نعيش من أجل أنفسنا وخططنا وأحلامنا التي صنعناها لأنفسنا، أو نعيش كما يعيش باقي الناس من حولنا للباطل؛ فعندئذ سنكتشف أن الله لم يجهِّز لنا أية معونات تعيننا على مواجهة تحدياتنا.
ثانيًا: إن الإيمان بالرب في امتلاك الأرض الذي ملأ قلب كالب بن يفنة، لم يلغِ أبدًا استعداده للحرب، حتى ولو كان بلغ الخامسة والثمانين من عمره! أي أن التحديات لا تُواجَه بالإيمان الخامل، بل بالإيمان العامل. والأرض لا تُمتلَك البتّة إلا بالإيمان المحارب. فهل نحن على استعداد للمواجهة؟ أم إننا نقبع في أماكننا ساكنين، منتظرين أن الإيمان الذي في قلوبنا، دون أن يحرك أيدينا للعمل، قادر على إزالة التحديات أو تخطيها؟!
ثالثًا: لنسال أنفسنا، ولنُجِب بصدق: متى جاء على الأرض عصر خلا من التحديات؟
لذا علينا أن نرفض الفكرة الساذجة التي تصوِّر لنا عصرنا فقط على أنه عصر التحديات، وأن العصور قبلنا خَلَت من التحديات. فأين نحن من عصور الاضطهادات، والتي استمرت قرونًا، حين كان يلزم المسيحي أن يركب الحمار بالمقلوب، وأن يسير على الجانب الأيسر من الشارع، ويلبس زي معين ولا يدخل القاهرة؟!
وأين نحن من عصور الاستشهاد؟!
بل وبشكل عام، على كل المصريين؛ أين نحن من تحديات القرن المنصرف، إبان الحرب العالمية الأولى، حيث الكساد التام. والحرب العالمية الثانية، وحرب 48، وحرب 56، وحرب اليمن 61، وحرب 67، وحرب الاستنزاف، وحرب 73! يقينًا، كانت الحروب والهجرات الداخلية، وموت الأبناء على جبهات القتال، وغيرها من مساوئ أنظمة الحكم؛ كل هذا كان يمثِّل تحديات ضخمة للغاية لآبائنا وأجدادنا. فدعونا نرفض هذه الأكذوبة أن عصرنا هو عصر التحديات دون سائر العصور، إذ أن العدو يريد أن يجعل هذا مبررًا للتراخي وعدم الجهاد الروحي.
بل وفي عصرنا الحاضر كم من بلدان حول العالم يواجه سكانها تحديات أضخم جدًا من تلك التي نواجهها نحن!
لماذا ننسى كم أعان الرب قديسيه في كل العصور لمواجهة مختلف التحديات بمختلف صور المعونات؟ إن الرب لم يتغير ومعوناته لم تنقص؛ وكما أعان في الماضي، هو لم يزل أيضًا يعين، بل ويجعل التحديات خبزًا لرجاله الأتقياء، الراغبين في أن يعيشوا كما قصد هو لهم متمّمين رسالتهم.
نعم لكل عصر تحدياته.. لكن لكل عصر أيضا معوناته. لكنها فقط لأولاد الله الراغبين أن يتمِّموا قصده.
وقبل أن أترككم - أحبائي - مع كتّابنا الأحباء، ليساعدونا في مواجهة بعض التحديات، بما أعطاهم الله من خبرات؛ أعترف بأننا لم نلمس كل التحديات، ولن نستطيع. لكنني أثق أن ما قُدِّم يكفي لترسيخ الاقتناع بأنه ...
يوجد دائمًا في المسيح رجاء لمواجهة أيّة تحديات وكل التحديات.