عدد رقم 6 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
اعتذارات موسى  

عندما أعطى الرب لموسى الدليل العملي أنه مُرسَل من إله آبائهم، الدليل المتمثل في تحويل العصا إلى حية والعكس، ثم بإدخال يد موسى إلى عبه وصيرورتها برصاء ثم عودتها يد طبيعية مثل جسده، ثم إلقاء ماء النهر على اليابسة فيصير دماً، فبعد أن دعم الله عبده موسى بأوراق اعتماده لدى الشعب (خر 1:4 ـ 9) نجد موسى يقول للرب، بعد كل هذا:

  • «استمع أيها السيد، لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس، ولا من حين كلمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان».

    بهذه الكلمات قدم موسى للرب اعتذاره الثاني.  إن موسى في اعتذاره الأول نظر إلى عدم كفايته الذاتية أما هنا فنظر إلى النقائص البشرية الطبيعية.  فموسى يقول للرب: «لست أنا صاحب كلام» أي أنني لست رجلاً فصيحاً في الكلام، بل إنني بطئ في النطق، كما أني أعجز عن التعبير اللفظي بما يفيد المقصود فأنا لا أستطيع أن أعبّر عن الفكرة التي في رأسي بصورة واضحة ودقيقة بلساني.

    فها هو موسى يركن إلى النقائص الطبيعية متخذاً إياها حجة لدى الله ليستعفي من الإرسالية العظمى.

    لكن جواب الله لموسى يبرهن على نعمته في مواصلة الحديث مع عبده لإقناعه بالإرسالية بكل وسائل التشجيع الإلهي.  وقد كانت الإجابة ذات شقين:

    الشق الأول منها: يتعلق بحكمة الله وسلطانه.

    والشق الثاني: يتعلق بنعمة الله وكفايته.

    ففي الشق الأول من جواب الرب لموسى قال:
  • «مَن صنع للإنسان فماً؟ أو مَن يصنع أخرس أو أصم أو بصيراً أو أعمى؟ أمَا هو أنا الرب؟» (خر 11:4).
    ومضمون كلام الرب لموسى:  أنا الذي صنعتك هكذا ثقيل الفم واللسان، فالله في حكمته يمكنه أن يستخدم الآلة التي صنعتها يده كيفما صنعها.  إنه يستخدم أبلوس الرجل الفصيح (أع 24:18) وداود الذي قيل عنه إنه: «رجل فصيح» (1صم 18:16).

    كما أن الرب يستخدم العامي في الكلام فقيل عن بطرس ويوحنا: ««إنسانان عديما العلم وعاميان» (أع 13:4) فهما غير متعلمين وهما من عامة الشعب.  والرسول بولس يقول للمؤمنين في كورنثوس: «وإن كنت عامياً في الكلام» (2كو 6:11) بمعنى أني أتكلم كلام العامة غير الفصيح.  فإن الذي صنع وهيأ أبلوس كإناء هو ذات الشخص الذي هيأ بطرس ويوحنا وبولس وغيرهم كأواني.  وقد رأينا في الحياة العملية أن صاحب السلطان يستخدم في خدمته الأخرس والأصم في توصيل رسالة الإنجيل بطريقتهم ولغتهم الخاصة لمن هم نظيرهم.  وقد رأينا صاحب السلطان يستخدم الكفيف باقتدار في شرح كلمة الله وتعليمها .. فيا له من صانع عظيم!!
  • على أن البعض يرون في الفصاحة كبرياء وتعالياً على القديسين، بل إن البعض الآخر يرى في الفصاحة خروجاً عن الروحانية وهذا هو الحكم الأخطر.

    البعض الآخر يرون أن العامية في الكلام خاصة في خدمة الكلمة أو الصلوات هي صورة للتواضع، بل وأحد مقاييس الروحانية الصحيحة، وعليه فلا يجب أن تقاس أمور الله هكذا.  وكما قال الرسول إلى مؤمني كورنثوس، مع الفارق، إن مثل هؤلاء: «يقيسون أنفسهم على أنفسهم ويقابلون (أي يقارنون) أنفسهم بأنفسهم، لا يفهمون» (2كو 12:10).  لكن كل واحد بحسب ما أخذ هبة من الله، كما قال يوماً يوحنا المعمدان: «لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطي من السماء» (يو 27:3). واضعاً لنا بذلك قاعدة روحية هامة من جهة تنوع هبات الله وعطاياه لقديسيه وخدامه، ولذلك فعلينا أن نقبل بسرور كل خادم للرب بحسب ما أعطاه السيد، لأن كل ما عند خادم الله هو من الله.

    أما الشق الثاني من جواب الرب لموسى ذلك القول المبارك المشجع:
  • «أنا أكون مع فمك» (خر 15:4)، بل وأعلمك ما تتكلم به.
     يا لها من نعمة مشجعة وكافية لكل النقائص البشرية التي يشعر كل منا بها فقد يكون هناك نقصاً في إدراكنا وذكائنا، قد يكون هناك نقصاً في ألسنتنا وآذاننا، قد يكون هناك نقصاً في أحد أعضائنا .. لكن في قول الرب نجد الحل.  فهو يكون مع ذلك الفم الثقيل، وعلينا  أن نأخذ على محمل الجد أن موسى لا يدعي ذلك، بل أنه يُقر بالحقيقة أمام الرب.  ففي قول الرب هذا كأنه يستكمل النقائص التي عنده، إنه يملأ النقص ليكتمل به.

    عزيزي هل تخجل من إحدى النقائص الطبيعية؟ ثق أن الله كاف جداً لملء وتعويض تلك النقائص بنعمة وافية وكافية طالما هو قد دعاك وأرسلك.

    فلا تتردد في الذهاب كما قال الرب لموسى: «فالآن» وليس غداً، فالآن اذهب لتمتلئ نفسك بالثقة من نحو سيدك، فإنه مع نقائصك .. وهو مع فمك الثقيل سيكون كافياً. 

    
(يتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com