عدد رقم 6 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رفقة والخيانة العظمى(تابع ما قبله)   من سلسلة: مؤمنون في أماكن خاطئه

ما أروع شهادة الروح القدس عن رفقة عندما نقرأ عنها لأول مرة في تكوين 24 يوم تقابل العبد معها عند البئر في حاران.  حيث نقرأ القول: «وكانت الفتاة حسنة المنظر جداً، وعذراء لم يعرفها رجل .. فقالت: (للعبد) اشرب يا سيدي .. ولما فرغت من سقيه قالت: أستقي لجمالك أيضاً حتى تفرغ من الشرب» (تك 16:24 - 19).  فقد كانت بحق زينة البنات في عصرها.  إذ كانت تحوي الجمال والرشاقة، النشاط واللباقة، الاتضاع وروح العطاء، الاستعداد للتعب بكل سخاء، عندها الكثير من الرحمة والأحشاء.  تميزت بقوة الشخصية والقدرة على اتخاذ القرارات.  فعندما سألوها شفاهاً «هل تذهبين مع هذا الرجل قالت أذهب».  كما أنها كانت صبورة على تحمل المشقات في السفر والرحلات. 

ولا شك أنها كانت سعيدة بارتباطها بإسحاق الابن الوحيد الوارث لكل غنى أبيه.  وبدأت معه رحلة حياة مليئة بالحب والوفاق وكانت له زوجة أمينة مخلصة وفية.  وكان إسحاق بدوره يحب رفقة.  واستمرت هذه العلاقة الحميمة بنضارتها لسنوات طويلة.  فنقرأ في يوم لاحق أن إسحاق كان يلاعب رفقة (تك 8:26).

لكننا في أصحاح 25 نقرأ عن الوجه الآخر لرفقة فيقول عنها الكتاب: «رفقة بنت بتوئيل الآرامي، أخت لابان الآرامي من فدان آرام» (ع 20).  وماذا يعني ذلك؟ إن آرام تعني الأماكن المرتفعة.  وهي توصف في الكتاب باسم «آرام النهرين».  فهي لا تحتاج إلى مطر السماء كأرض إسرائيل، بل هي مستقلة بمواردها الطبيعية عن الله ومكتفية بذاتها.  ولهذا فهي مرتفعة.  وأليست هذه صورة للعالم الذي حولنا، العالم المتكبّر والمنتفخ، العالم المستقل بموارده عن الله والذي لا يشعر بالاحتياج إليه؟

هذه الخلفية شكلت شخصية رفقة وجعلتها شخصية قوية مسيطرة.  وهذا ازداد بسبب جمالها الطبيعي والغنى المادي لارتباطها بإسحاق الغني جداً.  وكم هو أمر خطير أن يصل الشخص إلى هذه الحالة بسبب الامتيازات التي منحها الله له فيقول: «إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء» (رؤ 17:3).

كانت رفقة عاقراً لمدة عشرين سنة.  لكنها لم تذهب إلى الرب لكي تصلي لأجل طفل.  ولا شعرت بالاحتياج في هذا الأمر.  صلى إسحاق لأجل رفقة امرأته، والرب استجاب.  أما هي فلم تصلِّ إلا عندما تزاحم الولدان في بطنها وشعرت بمتاعب رهيبة في داخلها.

يضاف إلى ذلك البيت الذي نشأت فيه رفقة والذي يشار إليه بالقول:  «بيت أمها» وليس بيت أبيها.  وتتكرر الإشارة إلى الأم ثلاث مرات (أصحاح 28:24، 53، 55).  فلم يكن للأب الدور القيادي في هذا البيت ولا كانت له كلمة أو اعتبار في البيت، بل الأم والأخ هما اللذان يتخذان القرارات.  وهذه النشأة وسط أوضاع مقلوبة لا تتفق مع ترتيب الله، حيث ينبغي أن يكون الرجل هو رأس البيت، هذه النشأة قد أثرت على رفقة نفسها، وكانت شخصيته قوية وقيادية، مما جعلها في يوم لاحق تفقد احترامها وتقديرها لإسحاق وتكسر الوصية الإلهية: «أما المرأة فلتهب رجلها» (أف 33:5).

لقد بدأت رفقة حياتها الزوجية في بيت تميز بالمحبة، وعلاقة تميزت بالمودة والملاطفة،لكن مع اقت والسنين بدأت المحبة تقل ..

لقد بدأت رفقة حياتها الزوجية في بيت تميز بالمحبة وعلاقة تميزت بالمودة والملاطفة.  ولكن مع الوقت والسنين بدأت المحبة تقل والصراحة تتحول إلى غموض وحدثت فجوة في العلاقة بينهما عندما حلت بإسحاق الشيخوخة.  لقد بدأت تعمل وتخطط من ورائه.  ووصل الأمر أنها خدعته واستغلت ضعفه وأنه لا يستطيع أن يبصر، وتصرفت تصرفاً هو أبعد ما يكون عن الأمانة الزوجية. 

وكم هو أمر محزن أن بعض الزوجات تتغير نظرتهن لأزواجهن عندما تحدث بعض المتغيرات للزوج مثل المرض أو الشيخوخة أو الإخفاق في العمل أو قلة الدخل أو ضعف القدرة على العطاء لإشباع الاحتياجات والرغبات لأي سبب.  وإذ ذاك يقل احترام الزوجة لزوجها ويقل الوفاء والإخلاص له.  وتنسى عهدها أمام الله يوم ارتبطت به أن تظل خاضعة له وفيّة ومحبة له على مر الزمان.  في الصحة والمرض، في الرحب والضيق، في الغنى والفقر، في النهار وفي الليل، طالما هما على قيد الحياة.

«وكانت رفقة سامعة إذ تكلم إسحاق مع عيسو ابنه.  فذهب عيسو إلى البرية كي يصطاد صيداً ليأتي به.  وأما رفقة فكلمت يعقوب ابنها قائلة: إني قد سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلاً: ائتني بصيد واصنع لي أطعمة لآكل وأباركك أمام الرب قبل وفاتي.  فالآن يا بني اسمع لقولي في ما أنا آمرك به: اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك جديين جيدين من المعزى،  فأصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب، فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته» (تك 5:27 - 10).

كان عمر العلاقة الزوجية لإسحاق ورفقة في ذلك الوقت نحو مائة سنة! ولكن بالأسف مع السنين اتسعت الفجوة بينهما وقلَّ الاتصال والحديث والتواصل والتفاهم بينهما.  فبدلاً من أن تدخل إلى إسحاق لكي تصحح أفكاره وتذكره بما قاله الرب لها قبل سنوات طويلة أن الكبير يُستعبَد للصغير، بما يعني قصده أن تكون البركة للصغير، بدلاً من ذلك ونظراً لوجود جدار من العزلة بينهما، تصرفت من ورائه، واستدعت يعقوب ورسمت له الخطة وأقنعته بها.  واستخدمت الذكاء والدهاء الطبيعي الذي عندها والموروث من آرام، وكل أساليب الإخفاء والتمويه لكي تصل البركة ليعقوب. 

في يعقوب نرى ابناً دللته أمه، وأثرت عليه تأثيراً بالغاً، وكان يسمع لها ..يسمع لها حتى في الخطأ الصارخ والواضح، ولا يرفضه!!

  كانت النوايا حسنة ولها أساس روحي وهو تنفيذ فكر الله وقصده المعلن، لكن الوسيلة كانت جسدية والأسلوب رديء ولا يتفق إطلاقاً مع مبادئ الله.  إن الغاية لا يمكن أن تبرر الوسيلة عند الله القدوس.

ظنت رفقة أنها بذلك ستنقذ الموقف فأسرعت لتنفيذ الخطة لتحقق مقاصد الله.  وهل الله يحتاج إلى مساعدتنا لكي ينفذ مقاصده؟ كلا.  إنه يعرف أن يعمل ذلك بنفسه بطرق مختلفة لا تخطر على البال.  ويتدخل في اللحظة المناسبة مسيطراً على الموقف كله، سواء تصرفنا نحن بطريقة صحيحة أم خطأ، أو الذين حولنا تصرفوا بالصح أم بالخطأ.  فالقصد الإلهي يشق طريقه وسطك كل الظروف المعاكسة.  فلنهدأ ولا ننزعج لأن الزمام في يده ولن يفلت منه على الإطلاق.

كانت رفقة تحب يعقوب.  لماذا؟ هل بسبب تقواه ومحبته للرب وميوله الروحية؟  كلا.  وإنما لأن يعقوب كان متوافقاً في تكوينه وشخصيته مع رفقة.  كانت رفقة شخصية قوية وقيادية.  وعيسو كان كذلك، فلم يتوافقا معاً.  أما يعقوب فكان مطيعاً لأمه سامعاً لها ومتعلقاً بها.  كان يعقوب يحب البيت عكس عيسو إنسان البرية.  مكث يعقوب مع أمه طويلاً وكان قريباُ منها وتعلم منها الكثير، كما ورث منها طباع آرام.  علمته الطبخ فكان ماهراً في صناعته، وعلمته الدهاء والمكر فكان بارعاً في أدائه.  في يعقوب نرى ابناً دللته أمه، وأثرت عليه تأثيراً بالغاً وكان يسمع لها.  ووصل إلى مرحلة أنه يسمع لها حتى في الخطأ الصارخ والواضح ولا يرفضه.  وبالأسف هذا ما علمته له أمه.

وهذا عكس ما حدث مع تيموثاوس الذي علمته جدته لوئيس وأمه أفنيكي الكتب المقدسة.  والكتب حكّمته للخلاص بالإيمان.  لقد عرف الطريق الصحيح وصار خادماً للرب فيما بعد.  لكن البذار الجيدة والمبادئ الإلهية زُرِعَت في قلبه في الطفولة.  ولا ننسى أن أم موسى أرضعته وربته وعلمته في طفولته المبكرة الكثير عن الله وعن شعب الله قبل أن يذهب إلى ابنة فرعون ويتعلم مبادئ مختلفة في القصر وكل حكمة المصريين.  وما زُرِع فيه في الطفولة شكَّل شخصيته فيما بعد.  فنقرأ أنه «لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله ... حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر» (عب 24:11).

وكذلك حنة أم صموئيل التي علمته في طفولته المبكرة التقوى والإيمان والصلاة وحياة الانتذار للرب وأن يكون خادماً أميناً له كل الأيام، بغض النظر عن الوسط الذي سيعيش فيه.  علمته جلال ومجد رب الجنود الذي في شيلوه.  فعندما وصلوا إلى هناك، والصبي صغير، سجد هناك للرب.  هذا ما علمته له أمه. 

وأيضاً نقرأ عن كلام لموئيل ملك مسّا الذي علمته له أمه «ليس للملوك ... أن يشربوا خمراً، ولا للعظماء المسكر» (أم 1:31 - 4).  ويا لها من مبادئ عظيمة على كل أم أن تزرعها في ابنها.  وهو متى شاخ لن يحيد عنها.

أما رفقة فماذا علمت ليعقوب؟ لقد علمته الكذب والغش والخداع والدهاء وزرعت فيه الخيانة والاستهانة بكرامة الأب ومهابته حيث كان لا يستطيع أن يبصر، بل والاستهانة بكرامة الله الذي يبصر ويلاحظ كل إنسان.  لقد قَوَّت ضميره لفعل الخطية الشنعاء وقالت له: «لعنتك عليَّ يا ابني» (تك 13:27)  

وعلى كل زوجة وأم أن تعامل زوجها بكل مهابة واحترام أمام نفسها وأمام أولادها حتى الموت.  وبذلك تنال رضى الرب وبركته.  والله لن يرضى بأقل من ذلك.

إن ما فعلته رفقة، رغم حسن النوايا وقداسة الغرض، كان قبيحاً جداً في عيني الرب.  وحكومة الله البارة لا تدع شيئاً يمر دون حساب.  ويظل المبدأ قائماً: «الله لا يشمخ عليه فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً» (غل 7:6). 
وإلى كل الأولاد والأحداث في هذا الجيل المتمرد، يقول الكتاب: «العين المستهزئة بأبيها، والمحتقرة إطاعة أمها، تقوِّرها غربان الوادي، وتأكلها فراخ النسر» (أم 17:30).    

 (يُتبع)

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com