عدد رقم 6 لسنة 2002
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كيف أجد شريك الحياة؟ القاعدة الذهبية للزواج(تابع ما قبله)   من سلسلة: الأسره المسيحيه..

«لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته
ويكونان جسداً واحداً»
(تك 24:2)


في هذه العبارة نجد القانون الإلهي للزواج.  وقد أرشد الله موسى أن يسجله لاحقاً لقصة أول زواج في تاريخ البشرية.  ومما تجدر الإشارة له أن الرب يسوع في تعليمه عن الزواج اقتبس ذات العبارة موضحاً أنها تقدم الفكر الإلهي عن الزواج، وأن الإنسان ليس مسموحاً له أن يحوّره أو يغيّره ليجعله مناسباً له:

«فأجاب وقال لهم: أمَا قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟ وقال: مِن أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً.  إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد.  فالذي جمّعه الله لا يفرقه إنسان» (مت 4:19 - 6).  والرسول بولس اقتبس ذات العبارة في معرض حديثه عن العلاقات الزوجية مؤكداً أنها القاعدة الأساسية للزواج (أف 22:5 - 31).

في هذه العبارة نجد إشارة إلى أمر أساسي في الزواج وهو:

(النضوج)

فالحديث هنا هو عن رجل وامرأة «يترك الرجل .. يلتصق بامرأته» ـ لا عن فتى وصبية ـ بمعنى أن الزواج، كما رتبه الله، ينبغي أن يتم بين طرفين ناضجين.  والنضوج يعني الإدراك الجيد لما تعنيه علاقة الزواج من مشاركة تامة بين طرفين متكافئين، كل منهما يعرف دوره ومسئوليته نحو الآخر، بل ويقوم به أيضاً.  والمقصود بالنضج: النضج النفسي والعاطفي وكذلك النضج الروحي أيضاً.  والشخص الناضج هو الذي:

  • يتحمل المسئولية مهما كلفته من تضحية.
  • لا يتهرب من مواجهة الصعاب والمشاكل.
  • لا يُحمَل بمشاعره وانفعالاته.
  • يتسم بالتفكير الموضوعي الواقعي.
  • يستفيد من أخطائه ويقبل اقتراحات الآخرين ولا يتشبث برأيه.
  • يجد سعادته العظمى في خدمة الآخرين وإسعادهم.

متى ظهرت هذه السمات في كل من الشريكين فإنها تساعده على نجاح الحياة الزوجية.

إن الإقدام على الزواج من منطلق أنه الوسيلة لإشباع احتياجات الشخص كيفما كانت هو تفكير خاطئ.  فكل طرف من الشريكين يأخذ موقف المطالب للآخر والمنتظر دور الآخر دون أن يفكر في دوره هو أولاً.  بينما يعلمنا الكتاب أن الزواج المسيحي يقوم على مبدأ التضحية وإنكار الذات «أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها» (أف 25:5) وكذلك المرأة الفاضلة «تصنع له (لرجلها) خيراً لا شراً كل أيام حياتها» (أم 12:31).  من هنا تبرز أهمية الشركة مع الله واستمداد العون من عرش النعمة حتى يبادر كل طرف بخدمة الآخر.  «لا يطلب أحد ما هو لنفسه، بل كل واحد ما هو للآخر (شريك حياته)» (1كو 24:10).

وتكلمنا كلمة الله عن ثلاثة مبادئ أساسية:  الترك، الالتصاق، الوحدة

أولاً:  الترك:  «يترك الرجل أباه وأمه».

لكي لا يُساء فهم هذه الكلمة دعونا نوضح أولاُ أن الترك ليس هو هجر الوالدين أو إهمالهما أو التقصير في القيام بالمسئولية نحوهما مادية كانت أم معنوية.  كلا.  فالوصية واضحة كل الوضوح «أكرم أباك وأمك» والعناية بالوالدين خاصة عند الشيخوخة أمر يوصينا به الكتاب، وكل تقصير فيه يجلب اللوم على الشهادة المسيحية (راجع 1تي 4:5، 8).  لكن الترك للرجل يعني انتهاء علاقة الطفولة بالوالدين والتخلص من الرباط العاطفي الذي كان يربطه كطفل بوالديه.  فقد كان قبلاً يعتمد على والديه مادياً وعاطفياً وكان يتلقى رأيهم وتوجيهاتهم في كل جوانب حياته.  أما الآن وقد صار رجلاً وأصبح مسئولاً عن أسرة جديدة هو رأسها فهو ليس بعد تابعاً للأسرة السابقة، منتظراً توجيهات والديه في شئون بيته الجديد.  إن الترك أمر أساسي لزواج سليم، بل إنه أمر إلهي ينبغي طاعته إن أردنا بيتاً جديداً مستقراً.  وحيثما حاول الوالدان (وخاصة الأم) الاحتفاظ بالابن (أو الابنة) قريباً منهما وتشكيله بآرائهما والتداخل في شئون الحياة الزوجية فهذا سيعطل التكيف مع شريك الحياة وسيؤثر بشدة على سلامة الأسرة الجديدة.  نصيحتنا للزوجين أن يدرك كل منهما أن علاقته بشريك حياته تأتي في المرتبة الأولى قبل علاقته بوالديه وإن مكانة شريك الحياة تأتي أولاً قبل أي شخص آخر ولا يسبقها سوى الرب فقط.

ونصيحتنا للوالدين أن يكونا حكماء فيحرصوا على تشجيع خصوصية العلاقة الجديدة بين الزوجين الحديثين وأن يكتفيا بالصلاة لأجلهم وتقديم المشورة والنصح عند الطلب.

ثانياً:   الالتصاق:  «ويلتصق بامرأته».

كلمة يلتصق في العبرية تشير إلى مادة لاصقة كالصمغ أو الغراء يتم بواسطتها لصق جزئين معاً.  والمراد هنا دوام العلاقة الزوجية مدى الحياة.  وقد استخدمت الكلمة في مواضع أخرى لتعني الارتباط التام والولاء الكلي.  مثلاً في سفر التثنية 4:13 نقرأ «وراء الرب إلهكم تسيرون، وإياه تتقون، ووصاياه تحفظون، وبه تلتصقون»، وأيضاً نقرأ في سفر راعوث 14:1، 16، 17 «أما راعوث فلصقت بنعمي» وعبرت عن موقفها بالقول: «حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت .. إنما الموت يفصل بيني وبينك» هذا هو التعبير العملي عن الالتصاق.

وكلمات الرب يسوع التالية تلقي ضوءاً هاماً على مفهوم الالتصاق، فعندما سأله الفريسيون عن موضوع الطلاق أشار إلى ما رتبه الله من البداية واقتبس العبارة التي نحن بصددها ثم أضاف: «إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد.  فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان» (مر 6:10- 9).  وبهذا أكد المسيح أن علاقة الزواج دائمة مدى الحياة وأنه لا يجوز لأي إنسان، بما في ذلك أحد الطرفين، أن ينهيها وإلا فهو بذلك يخالف الوصية الإلهية.

ألا ينبغي في ضوء ذلك أن يتريث كل مَن يقبل على الزواج قبل اتخاذ القرار عالماً أنها علاقة مدى الحياة وأن يتأكد من مشيئة الله لهذا الأمر، بل وينتظر الشريك المُعيّن له من عند الرب.  كذلك ينبغي لكل زوجين أن يشطبا تماماً من قاموس حياتهما كلمة "انفصال"، إذ أن البعض أحياناً يلوح بها عند حدوث خلافات زوجية، غير مدرك أن هذا يخالف إرادة الله كلية.

ثالثاُ:   الوحدة:   «ويكونان جسداً واحداً».

عندما يقول الكتاب «ويكونان جسداً واحداً» فإنه لا يقصد بذلك الاتحاد الجسدي للزوجين فقط بل الاتحاد الكلي للشخصيتين.  ذهنياً وعاطفياً وروحياً.  ونلاحظ أن الكتاب يستخدم كلمتين مختلفتين في اللغة الإنجليزية للتعبير عن جسد واحد.  في 1كورنثوس 16:6  “one body”  لوصف الاتحاد الجسدي فقط.  أما في تكوين 24:2 “one flesh”  أي شخص واحد وكيان واحد لوصف الاتحاد في كل جوانبه.

  إذاً قصد الرب أن يصبح الاثنان كياناً واحداً، له أفكار مشتركة ومشاعر مشتركة وأهداف مشتركة.  بالطبع هذا لا يتم بصورة تلقائية لمجرد إتمام الزواج لكنه يستغرق وقتاً طويلاً ويحتاج لجهد مشترك من الاثنين. 

يمكننا القول إن وحدة الزوجين تبدأ من حفل الزفاف ثم تستمر طول الحياة وتستلزم حكمة وفهماُ ومعرفة.

وليس المقصود بالجسد الواحد أن يصير كل فرد منهما صورة طبق الأصل من الآخر، فلم تكن حواء نسخة من آدم، لكنها كانت مختلفة عنه ومكمِّلة له.  إن المفهوم الصحيح للوحدة هو التقبل المتبادل بين الزوجين والعطاء والاستماع والغفران.  إنه اتجاه كل فرد منهما للانسجام مع حياة الآخر محاولاً أن يشارك الآخر ويكمله.  ومن ضمن المبادئ الهامة التي تقدمها كلمة الله وتساعد على وحدة الزوجين الآتي: (اقرأ رومية 1:15 - 7):

  • ينبغي أن الطرف القوي (روحياً) يحتمل الضعيف.  «فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء، ولا نرضي أنفسنا» (ع 1).  إن الاحتمال للآخر ضرورة لتوافق الاثنين معاً.
  • ليكن توجه الزوجين إرضاء الآخر وصنع الخير له.  إن شعار الزوجين المسيحيين يجب أن يكون: "لا أعيش لأرضي ذاتي، لكن لأخدم شريك حياتي وأصنع له الخير دائماً.  ومثالي في ذلك المسيح نفسه الذي لم يبحث عن إرضاء ذاته".  «فليرضِ كل واحد قريبه للخير، لأجل البنيان.  لأن المسيح أيضاً لم يُرضِ نفسه» (ع 2، 3).
  • ليتدرب كل من الزوجين أن يقبل الآخر قبولاً غير مشروط على غرار قبول المسيح له هو شخصياً.  هذا سيساعد على الوضوح والصراحة والألفة التامة بين الاثنين وهو أمر غاية في الأهمية.  «لذلك اقبلوا بعضكم بعضاً كما أن المسيح أيضاً قبلنا، لمجد الله» (ع 7).  هنا أقول للزوج، تجنب أن تمارس ضغطاً نفسياً على زوجتك محاولاً تغييرها حتى تتلائم مع شخصيتك.  فإنك بهذا تفقدها حرية التصرف معك وحرية التعبير عن نفسها وتؤدي بها إما إلى الكبت والتوتر أو إلى الادعاء وعدم الصدق، وفي الحالتين ستفقدا مناخ الوضوح والألفة الزوجية.  لكن صلِ لأجلها وصلي معها، واقتربا دائماً من الرب طالبين أن يعمل الروح القدس في حياة كل منكما.
  • ليحرص الزوجان أن يتوافقا معاً فكرياً، وأن يتجنبا كل عناد واختلاف حتى يتمكنا من تحقيق الغاية العظمى من اتحادهما معاً ألا وهي تمجيد الله.  «وليعطكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتماماً واحداً فيما بينكم (أن تكونوا متوافقين بعضكم مع بعض)، بحسب المسيح يسوع، لكي تمجدوا الله أبا ربنا يسوع المسيح، بنفس واحدة وفم واحد» (ع 5، 6).

(يُتبع)


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com