قبل أن نتكلَّم عن بعض أساليب عمل الشيطان ضد الأسرة ككيان مرتَّب من الله، يعكس بعلاقاته المتعدِّدة بعضًا من صفات الله الرائعة، أريد أن أوضِّح في البداية أن الكيان الأسري كما رتَّبه الرب له روابط وأُسس ثابتة، فكما قصد الرب أن الزوجة تخضع لزوجها وتهابه (أف5: 22، 33؛ 1بط3: 1)، قصد أن الزوج يشمل زوجته بالمحبة والحنان (أف5: 25؛ كو3: 19)، وكما قصد أن الأبناء يُطيعون والديهم (أف6: 1)، قصد أن الآباء لا يغيظوا أولادهم (أف6: 4)، ويتعاملون معهم باللين الممتزج بالحزم. كما أن يكون المناخ العام للأسرة وما يربطهم معًا هو ”المحبة“.
وغرض الشيطان هو تقويض كيان الأسرة في علاقاتها المتعدّدة هذه، وهو في ذلك يعمل في كل الاتجاهات؛ سواء مع الزوج أو الزوجة أو الأبناء.
لذلك فلنُلاحظ أن الشيطان يُركز هجومه في المقام الأول على الكيان الأسري . وقد نندهش أن نعرف أن سهم الشيطان الأول ضد الإنسان كان مصوَّبًا بكل مهارة ليضرب، من ضمن ما يضرب، ترتيب الله في الأسرة!! كما سنوضح بعد قليل. كما علينا أن نلاحظ أن أسلوب عمل الشيطان لا يتغيَّر، سواء في تعامله مع الفرد أو مع الأسرة، أو حتى مع الجماعة، فإن تكتيكاته الماكرة والخبيثة واحدة، وإن اختلف من يوجهها إليه.
ودعونا من هذا المنطلق نتعرَّف على بعض أساليب عمل الشيطان في كيان الأسرة، ونرى ما يُمكن أن يفعله في علاقات الأسرة بعضها مع بعض، محاولاً بذلك أن يهدم ويشوِّه كل ما بناه ورتَّبه الله.
أولاً: عمل الشيطان مع الزوج
إنَّ أول خطية عُرفت في الكون، حتى قبل وجود الإنسان على الأرض، هي ”الكبرياء“، ومن قراءتنا لإشعياء 14، وحزقيال 28، يُمكننا أن ندرك شيئًا عن سبب سقوط الشيطان بعد أن كان كروبًا مميَّزًا، له من الصفات والمميزات ما يفوق عَداه. كيف ارتفع قلبه، وابتغى أن يرفع كرسيه فوق كواكب الله، بل ويصير مثل العلي!
الأمر الذي أشار إليه الرسول بولس وهو يُعدِّد صفات الأسقف بأن يكون: «غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ» (1تي3: 6). هذه الخطية هي أول جرثومة دخلت إلى الكون من خلال هذا الكروب الذي سقط، أعني الشيطان، ولقد أراد أن ينقلها بكل حقد وضغينة إلى كل الجنس البشري بصفة عامة، وإلى الأسرة بصفة خاصة! فكما نرى أنها يمكن أن تظهر هنا في حالة الأسقف الحديث الإيمان، نراها قديمة قِدم الإنسان، إذ نراها وقد دخلت في أول كيان أُسري أوجده الرب أقصد ”آدم وحواء“. بعد أن نجحت الحية في بثِّ سُمها الزعَّاف، وذلك في كلماتها المعسولة لحواء: «اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تك3: 5).
هذه هي الجرثومة الخطيرة الذي تعمَّد الشيطان أن ينشرها، وبالتحديد في الكيان الأسري. وكم نندهش كثيرًا، ونحن ما زلنا في بكور تاريخ الإنسان على الأرض، أن نرى سرعة انتشار هذه العدوى، ليس بين الأفراد فحسب بل بين الأسر! فنجدها تظهر في الزوج ”لامك“؛ حفيد قايين، بل نجد أن المرض قد تأصَّل جدَّا فيه، حتى أنه لم يقنع بأن يكون له زوجة واحدة كما رتَّب الله: «يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا»، بل نجده يتَّخذ لنفسه امرأتين، ناقضًا بذلك ترتيب الله. كما نجده أول من ألَّف شعرًا، ولكن ليس لتمجيد وتعظيم الرب، بل لتمجيد وتعظيم نفسه، كما أنه من شدَّة تصلُّفه وقلبه المظلم، نجده لا يُعظِّم صفات حميدة فيه، بل يفتخر بشراسته وقسوته!! (راجع تكوين 4: 23، 24). وإن كان الشيطان في يومه أراد أن يرفع نفسه عن الله، ها نحن هنا نرى لامك يرفع نفسه عن جده قايين، قائلاً: «إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ» (تك4: 24)!
وكم نجح الشيطان في هذا! كم نجح في إفساد جو الأسرة كما أرادها الله أن تكون. ففي هذا الجو المشبَّع بحب الذات والأنانية والتصلُّف أين نجد روح المحبة والتفاهم والمودة؟! أين نجد علاقة الزوج بزوجته كما رغبها الله واستحسنها؟! أين نجد في لامك كلمات نظير ما فاه به آدم يوم استقبل امرأته من يد الله: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي» (تك2: 23). فما أحوجنا في هذه الأيام، كأزواج، أن نستمع جيدًا لكلمات الرسول: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا... كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ... مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (أف5: 25، 28-31). ولا ندع هذا الوباء المعدي أن ينتشر فينا، بل لنحفظ بيوتنا في جو المحبة النقية، الناكرة للذات، التَّاعبة والمضحية.
ثانيًا:عمل الشيطان مع الزوجة
حينما أوجد الرب آدم في الجنة، وجعله سيدًا على كل الخليقة، قال الرب: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (تك2: 18)، وهنا نقرأ أول إشارة في الكتاب عن حواء، ونقرأ أيضًا عن غرض الرب من وجودها، أن تكون معينة لآدم نظيره. وكما أعطى الرب لآدم أن يدعو كل الكائنات بأسماء، علامة على سيادته عليها وتفوُّقه، أدرك آدم - كما أدركت حواء - أن قصد الرب أن تكون حواء خاضعة له، فلقد كان له الأسبقية في الوجود (1تي2: 13)، كما أنها أُخذت منه؛ من أحد أضلاعه، ولذلك نجده بكل بساطه يُظهر حقَّه هذا في أنه هو الذي أسماها، إذ نسمعه يقول: «هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تك2: 23).
وهنا نجد الشيطان بكل خبث يحاول أن يهدم ما رتَّبه الله، وهكذا نجده يتحيَّن الفرصة المناسبة ليوجِّه سهامه إلى حواء، وأظن أنه لم ينتظر كثيرًا، إذ سنحت له الفرصة كما أراد، إذ وجد حواء بمفردها، وآدم ليس معها، كما وجدها قريبة من الشجرة التي نهى الرب آدم من الأكل منها، وهنا بادرها بالقول: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟!» (تك3: 1).
عندما أوصى الرب آدم بعدم الأكل من الشجرة، لم تكن حواء قد خُلقت بعد (تك2: 16، 17)، فالوصية قُدِّمت أساسًا لآدم وحده، باعتباره هو المسؤول أمام الله، إلاَّ أن الشيطان هنا، بمكر تكلَّم إلى حواء، معتبرًا إياها ندًّا لآدم، وأن كلام الله كان لهما هما الاثنان سواسية! إنه بذلك يضرب بمهارة ليقوِّض ترتيب الله! وبكل أسف لقد بلعت حواء الطُعم، وبدلاً من أن تقول له: ”لقد كانت الوصية لآدم، وهو الذي سمعها من الرب، وإن كان هناك أي استفسار فعليَّ الرجوع لآدم“. نجدها تبادر بالإجابة وكأنها حقًّا تعلم وتدرك كل شيء، وأنها ليست بحاجة للرجوع إلى زوجها؛ آدم.
وليس غرضي أن أكشف دهاء الحية، وكيف أنها حوَّرت في كلام الله، أو أكشف أخطاء حواء المتعدِّدة فيما أجابت به على الحية، إنما كل قصدي أوجِّه الانتباه للسهم الذي رماه الشيطان على حواء، وبكل أسف نال منها. وهو أن يلغي ترتيب الله من جهة علاقة الزوجة بالزوج! وكم نعاني، بل ونخسر كثيرًا، عندما نُهمل ونحتقر ترتيب الله. اسمع معي ما يُعلِّمه الكتاب بإزاء ذلك:
«أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلَكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذَلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (أف5: 22-24).
«وَلَكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي» (1تي2: 12-14).
«كَذَلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ» (1بط3: 1).
في زواج العصر، كما أطلقوا عليه آنذاك، رفضت الأميرة ”ديانا“ أن تُردِّد في مراسيم زواجها عبارات الخضوع للأمير ”تشارل“!! ضاربة بعرض الحائط بكل تعليم الكتاب. ونحن نعلم جيدًا كيف انتهت هذه الزيجة بمآسي لا حصر لها!
كما أن قصد الرب من إحضار حواء لآدم - كما ذكرنا - هو أن تكون معينًا نظيره. ونحن نعلم ”ماراثون“ الحرب الشرسة التي شنها الشيطان ضد أيوب، سواء في ضياع جميع ممتلكاته، أو فقدانه لكل أبنائه، أو إصابته هو نفسه بقُرحٍ رديء. ولكنني أظن إن من أصعب ما تعرَّض له أيوب هو الهجوم الذي وجَّهه الشيطان له من خلال أصحابه في محاولتهم استذنابه. ولكن - بكل تأكيد - يظل أن أصعب ما تعرَّض له أيوب هو ما أصابه من شريكة حياته، والذي كان يتوقع منها أن تشعر به وتسانده في محنته القاسية هذه، وأن تكون - كما رتب الله - «معينًا نظيره»؛ إذ نجدها تنقلب عليه، وتبادر ليس لاستذنابه – كما فعل أصحابه – بل لتدفعه أن يتمرَّد على الله، قائلة له بشيء من التهكم والسخرية: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟! بَارِك (جَدِّفْ عَلَى) اللهِ وَمُتْ» (أي2: 9)!! فإن كان الشيطان نجح في أن يحرِّك السبئيون والكلدانيون على ممتلكات أيوب (أي1: 13-17)، فإنه نجح نجاحًا باهرًا في أن يُحرِّك امرأة أيوب على أيوب نفسه، ولقد نجح في ذلك إلى أقصى حد، وجعلها بكل أسف تحيد عن ما رتَّبه الله من وضع الزوجة بالنسبة لزوجها!!
ما أروع كلمات الحكيم: «اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ. أَيْضًا إِنِ اضْطَجَعَ اثْنَانِ يَكُونُ لَهُمَا دِفْءٌ. أَمَّا الْوَحْدُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟» (جا4: 9-11).
ليت كل زوجة تنتبه وتتحذَّر وتعلم جيدًا دورها كما رسمه لها الله، فلا تحيد عن مركزها، بل تأخذ بهدوء مكان الخضوع مسلِّمة القيادة لزوجها، كما لا تتخلَّّى عنه فتكون على الدوام خير معين وعاضد له.
ثالثًا: عمل الشيطان مع الزوجين
بعد أن خلق الله الكائنات الحية، من زحَّافات وطيور «بَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإَِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ...» (تك1: 22)، وعندما خلق الإنسان، مؤسِّسًا أول أسرة على الأرض «بَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا...» (تك1: 28). لكن ما أبعد الفارق بين الحالتين، بين مجرَّد تكاثر وتناسل بين الكائنات الحية، عن طريق إشباع غريزة أوجدها الله فيها ، وبين كيان أسري قدَّسه الله ورتَّبه، حيث يربط بين طرفين نفسيَّا وعاطفيًّا، رباطًا كاملاً؛ إلى الأبد بلا انفصال.
وهذا الكيان الأسري له ما يُغذيِّه ويزيده ثباتًا واستقرارًا. ومن بين ما يُغذيه العلاقة الزوجية التي بين الرجل والمرأة، فكل طرف يُسدِّد بهذا الأمر احتياجًا عند الطرف الآخر. هذا الاحتياج الذي لا يُمكن أن يُسدَّد بأي وسيلة أخرى. فتوفُّر كل وسائل المعيشة المريحة، من سكن وثياب وطعام، لا يعوِّض أو يُسدِّد هذا الاحتياج الذي أوجده الرب في كيان كل طرف. الأمر الذي ينوِّه إليه الرسول بولس: «لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا بَلْ لِلرَّجُلِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلِبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ» (1كو7: 3-5).
وهنا نرى كيف يتدخَّل الشيطان ليضرب بقوة على هذا الوتر الحسَّاس، ليقوِّد هذا البناء الإلهي، بل ويُدمِّره تمامًا، وهو في ذلك يتحرَّك في كل الاتجاهات.
فقد يُقنع أحد الطرفين بعدم قُدسية هذه العلاقة، وأنه ليس من الروحانية ممارستها، أو على الأقل دوام ممارستها! وهو بذلك يُشوِّه ما رتَّبه الله، فالذي أوجد هذه العلاقة من البداية هو الرب، بل عندما جاء الرب يسوع إلى أرضنا كان أول معجزة صنعها في عرس (يو2)، كما يعلن الرسول بولس صراحة: «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عب13: 4).
أو أن يُقلِّص هذه العلاقة في مفهوم الزوجة لمجرَّد إنجاب أولاد، وبعد ذلك تُركِّز كل اهتماماتها في تربية أولادها، متغاضية تمامًا عن حقوق زوجها واحتياجه الطبيعي لهذا الأمر، وهي بذلك دون أن تدري تسلب حق زوجها، كما سبق وأشرنا في كلمات الرسول.
أو لسبب الضغوط المادية، يجعل الزوج يلجأ للسفر إلى إحدى الدول، ليُحسِّن من دخل الأسرة، تحت عنوان ”تأمين معيشة الأولاد“، وفي أغلب الأحوال يُسافر الزوج بمفرده ويترك زوجته وأولاده، وقد يطول سفره سنوات يتخلَّلها زيارات قصيرة لأسرته! وما أخطر الأضرار المدمرة الناتجة من ابتعاد الزوج عن بيته، حيث يعمل الشيطان بكل شراسة وعنف مع الطرفين؛ سواء مع الزوج في غربته ووحشته، أو مع الزوجة، التي توفَّر لديها المال، وتزايد احتياجها النفسي والعاطفي!
أ يمكن أن نتخيَّل والحال هكذا إلى أي هوَّة سحيقة يمكن أن يجرفهم الشيطان؟ وهل نُدرك حُكم الكتاب من جهة ما قد يقترفونه ويتورطون فيه بسبب هجر فراش الزوجية؟ استمع معي لكلمات الرسول: «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّهُ يَقُولُ: ”يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا“. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ لَكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ» (1كو6: 16، 18).
وبذلك يكون الشيطان قد وصل إلى غايته في أن يكسر تلك العلاقة المقدسة، عندما ينجح في أن يُوقع أحد الطرفين في هذه الخطية. فما قصده الرب من البداية أن تكون هذه العلاقة أبدية بلا انفصال.
عندما سؤل الرب من الفريسيين: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟». أَجَابَ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟»، وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». وعندما سألوه: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟». أجاب: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي» (مت19: 3-10). من أجل ذلك نجد الشيطان يسعى بكل قوة لكي يهدم كيان الأسرة من خلال هذا الأمر!
وما أكثر الأسر التي انهارت بسب ذلك، وكم من أسر انتهى الحال بها إلى الانفصال، بل وأحينًا إلى الطلاق!! الأمر الذي يُحذِّر منه الرب، بل ويكرهه: «فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. “لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ”، قَال الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ» (مل2: 15، 16).
ما أرق نصيحة الحكيم بصدد ذلك: «اِشْرَبْ مِيَاهًا مِنْ جُبِّكَ وَمِيَاهًا جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ. لاَ تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى الْخَارِجِ سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي الشَّوَارِعِ. لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ وَلَيْسَ لأَجَانِبَ مَعَكَ. لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا وَافْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ الظَّبْيَةِ الْمَحْبُوبَةِ وَالْوَعْلَةِ الزَّهِيَّةِ. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِمَحَبَّتِهَا اسْكَرْ دَائِمًا. فَلِمَاذَا تُفْتَنُ يَا ابْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ وَتَحْتَضِنُ غَرِيبَةً» (أم5: 15-20).
ليت كل زوج وزوجة يعوا ذلك جيدًا، ويتحاشوا تجربة الشيطان الخبيثة والمدمرة هذه، ويحفظوا بيوتهم من هذا الخطر الداهم، والكفيل بأن يعصف بكيان أي زوجين مهما قويت أواصر الروابط بينهما.
رابعًا: عمل الشيطان مع الوالدين
معروف جيدًا أنَّ المثال الأعلى الذي يتَّخذه الأبناء من صغرهم هو والديهم، فكل ابن يضع والديه في أعلى مصاف، فهم بالنسبة له أسمى ما يمكن أن يصل إليه؛ ولذلك ليس غريبًا أن نجد الولد الصغير يُقلِّد أباه في أسلوب كلامه، وطريقة سيره، بل وحتى في مظهر ثيابه. وما ينطبق على الولد مع أبيه ينطبق أيضًا على البنت مع أمها. والشيطان يعلم ذلك جيدًا، وخطَّته في ذلك هو كيف يزعزع صورة الوالدين أمام أبنائهم! كيف يجعل الأبناء يُصدمون في والديهم، وذلك بأن يروا تناقضًا فاضحًا في والديهم: بين ما هم عليه في الداخل، في المنزل، وما هم عليه في الخارج في الاجتماع! أن يروا تناقضًا كبيرًا بين أقوالهم وأفعالهم، وهنا تنهار كل القيم والمبادئ أمام الأبناء، فيفقدون المصداقية في كل شيء، إذ يحسبون أن ما يرونه ما هو سوى مسرحية هزلية، وأن لا شيء حقيقي يمكنهم الوثوق فيه!!
وإن تساءلنا ما دور الشيطان في ذلك؟ نجد الإجابة فيما أشار إليه الرسول وهو يتكلم أيضًا عن صفات الأسقف: «يَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ» (1تي3: 7).
علينا أن نتذكَّر ما سبق وقلناه في بداية المقال، إن ما يفعله الشيطان مع الفرد هو ذات ما يفعله مع الأسرة، وهنا نُدرك حيلة الشيطان الماكرة، بل نُدرك ما هو ”فخ إبليس“. إنه بالنسبة للأسقف هنا، هو أن يفصل بين أقواله في الداخل، عن شهادته بين الناس في الخارج! أي أن يكون مُدقِّقًا كثيرًا ومُنمِّقًا في كلماته طالما يوجَد في داخل دائرة المؤمنين، فيظهر بصورة تتناسب مع مركزه ومكانته، أمَّا عندما يكون في الخارج بعيدًا عن هذه الدائرة، فهو لا يحترص كثيرًا في سلوكه أو تصرفاته، وبذلك – دون أن يدري- يفقد مصداقيته، ويكون مجالاً للسخرية والتعيير، وذلك للتناقض الظاهر في حياته! إن ”فخ إبليس“ هو كيف يكون للإنسان شخصيتين مختلفتين، بل متناقضتين، وبذلك يفقد مكانته ويكون عرضة للهزء ومجالاً للتندُّر. وهذا ما نلمسه بوضوح في لوط، والذي عندما أراد أن يأخذ مرَّة دور المرشد والناصح لأصهاره، وهو الذي كان مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة (2بط2: 7). كان كمازح في أعينهما (تك19: 14)!
وهذا ”الفخ“ يُصبح تأثيره مدمِّرًا إذا نجح الشيطان في أن يُنصبه للوالدين، أمام أبنائهم. إن الأبناء لا يتأثرون كثيرًا بتحريضات والديهم ووعظهم، لكنهم يتأثرون تمامًا بما يرونه من والديهم في حياتهم اليومية الطبيعية والتي يحتَّكون بها على الدوام!!
وكم نرى فيما نقرأه عن أولاد يهوذا عبرة لكل الآباء على مر التاريخ عندما تتضارب وتتباين أفعالهم أمام أبنائهم.. فهل نتعجَّب في ما أظهره ابنا يهوذا؛ ”عير وأونان“ من شرّ وفساد يُندى له الجبين؟ الأمر الذي تطلَّب تدخُّل الرب بالقضاء الحاسم وإماتتهما! في الواقع أنَّهما في ذلك تشبَّها بأبيهما!! فقبل أنْ نلوم الابنين، علينا أولاً أنْ نلوم الأب! فالشرِّ الذي ظهر في الابن الأكبر؛ ”عير“ كان أصلاً في يهوذا أبيه، إذ برز شرّه هذا عندما ظلم أخيه وأشار أنْ يُباع عبدًا للإسماعيليين (تك37: 26، 27)، والشهوة الرديئة التي ظهرت في الابن الثاني؛ ”أونان“، والذي حوَّل العلاقة الزوجيَّة إلى مجرَّد متعة حسيَّة وقتيَّة فحسب، هي ما كانت أيضًا في أبيه، الذي عندما أراد أنْ يروِّح عن نفسه، بعد موت زوجته، بحث عن متعة دنسة ونجسة مع من ظنَّها زانية!!
كما نرى يهوذا يطلب من ابنه “أونان” ما لم يستطع هو نفسه أنْ يفعله!! فلقد طلب منه أنْ يحترم حقوق أخيه؛ ”الميِّت“، ويُقيم له نسلاً، بينما هو لم يحترم أبسط حقوق أخيه يُوسُف ”الحي“، في أنْ يتمتَّع بحريَّته، بل سلبه إيَّاها وباعه عبدًا، فلقد كان هو صاحب فكرة بيعه لقافلة الإسماعيليين كما ذكرنا. لقد وقع يهوذا في فخ إبليس، وكانت النتيجة أنه خسر ابناه. يا ليت كل أب يتَّعظ من ذلك، ويُدرك أن ما هو عليه حتمًا سيتأثَّر به أبناؤه!!
خامسًا: عمل الشيطان مع الأبناء
إن من أكثر الإيجابيات المبهجة لأي أسرة أن يكتنف الأبناء جو من المحبة والألفة المتبادلة، بعيدًا عن الحسد والمشاحنات، فما أجمل أن يكون طابع الأسرة أن يتصاعد منها على الدوام صوت الترنيم والتسبيح: «صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاَصٍ فِي خِيَامِ الصِّدِّيقِينَ» (مز118: 15)، بدلاً من الشجار والخصام، إذ بذلك تستقيم الشهادة الصحيحة لله.
وهذا ما يُدركه الشيطان جيدًا، وهكذا نراه يعمل في هذا الاتجاه بداية من أول أسرة وُجدت على الأرض! إذ نراه أدخل الغيرة والحقد بين الأخ وأخيه، حتى جعل قايين يقوم على أخيه هابيل ويقتله (تك4: 8)؟! وإن تساءلنا من الذي أوصل قايين لفعل هذه الفعلة الشنيعة. ويقترف بيديه أول جريمة قتل، بل أول جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد؟ نجد الإجابة في رسالة يوحنا الأولى: «بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ. لأَنَّ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا؛ لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ» (1يو3: 10-12).
وفي هذه الأعداد يتَّضح لنا أكثر من حقيقة. أولاً إن ما يُميز أولاد الله بصفة عامة، هو عمل البر ومحبة الأخ. وبذلك يمكننا أيضًا أن نقول إن ما يُميز أولاد إبليس هو عدم فعل البر وعدم محبة الأخ! كما نعلم حقيقة ثانية، وهي السبب الذي جعل قايين يقتل أخاه، أنه من ”الشرير“، أي من الشيطان!! وهنا يتَّضح لنا حقيقة هامة أن المحرِّك الأول لقايين، والذي دفعه لقتل أخيه هو إبليس!!
وأعود لما علَّمه الرسول يوحنا بأن أولاد الله ظاهرون وأيضًا أولاد إبليس، فكما أن أولاد الله يتَّسمون بفعل البر ومحبة الأخ، هكذا اتَّسم قايين والذي هو من أولاد إبليس، بعمل الشر، وعدم محبة الأخ!! لقد شوَّه قايين بفعلته هذه طابع الأسرة كما يريدها الرب، لقد مزَّق أقوى الروابط الأسرية؛ ألا وهي ”المحبة“، والتي يُسميها الرسول «رباط الكمال» (كو3: 14).
إن أكثر ما يُميِّز أولاد الله في عالم البغضة والكراهية هو علاقة المحبة، وهذا ما أكَّده الرب: «بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ» (يو13: 35). فكما أن ما يُميِّز علاقة المؤمنين معًا هو المحبة، فبالأحرى جدًّا أن تكون المحبة هي ما تُزيِّن علاقة الأسرة بعضها مع بعض.
ولكن بكل أسف كم نجح الشيطان أن يشوَّه هذا الجمال الذي قصده الرب في أُسر عديدة. تأمَّل معي أسرة انقلب فيها عشرة إخوة على أخيهم الصغير، كيف أولاً تأصَّل الحسد فيهم تُجاهه (تك37: 4، 11)، ثم كيف استعذبوا أن يطرحونه في بئر، ويرونه يصرخ مسترحمًا دون أن يُبالوا (تك42: 21)، حتى إنهم، بعد أن طرحوه في البئر، جلسوا ليأكلوا، ذات الطعام الذي كان أخيهم قد جلبه إليهم، وكأنهم جلسوا يأكلون على نغمات صراخ وأنين أخيهم!! وتأملَّهم، وهم يرونه وقد أصابه الفزع والهلع، وهم يُساومون تُجار ليبيعونه عبدًا!! بل وتأملهم وهم يرون صدمة أبيهم وحزنه الشديد وهم مُمسكون بقميص أخيهم بعد أن غمسوه في دم، دون أن يبالوا أو يكترثوا!! هكذا نرى ما آلت إليه أسرة وقد تمزَّعت أوصال المحبة بينها: إذ نرى إخوة قساة القلوب مع كثير من البلادة وعدم الإحساس، حتى على أقرب الناس إليهم؛ أخيهم، وأخ يُعاني الغربة والوحشة مع شعور بالظلم، في بلاد بعيدة، وأب مكلوم على ابنه، يعاني ألم الفراق!!
نعم أقول بكل أسف لقد نجح الشيطان في بكور تاريخه مع الإنسان أن يمد يده نحو الأسرة ليشوِّهها، ويحول دون أن تُتمِّم قصد الله في الغرض من تكوينها، وها هو إلى اليوم يعيث فسادًا في كيان كل أسرة، وأمامه غرضًا واحدًا وهو أن يُشوه هذا الكيان المرتَّب من الله، فيا ليتنا كأُسر مسيحية قد ارتبطت بالرب نتحذَّر من حيل عدو كل بر، فلا نجهل أفكاره. ولنجتهد جميعًا أن نُكرم الرب عاكسين من خلال بيوتنا وأسرنا صفات إلهنا الصالح المحب، الذي له كل المجد.
-
وإن كان الشيطان - كما سنرى - يهاجم الأسرة بشتى الطرق، إلا أنَّه في هذه الأيام بصفة خاصة يبدأ هجومه مع الشباب ليحول من البداية في تكوين الأسرة؟! وذلك في أن يرفع بصورة مبالَغ فيها الشروط التي يضعها الشاب ”لفتاة أحلامه“، كما يرفع في الشروط التي تضعها الفتاه ”لفارس أحلامها“، وبذلك يُعجِّز كل طرف في أن يجد ما يبتغيه، وقد يطول البحث شهورًا وسنينًا دون أن يصل أحدهما للمواصفات والمقاييس التي وضعها فيمن يريد أن يرتبط به، ويكبر الشاب وتكبر الشابة، ويفقدان زهرة شبابهما وهما ما زالا يبحثان، ويُصدما في النهاية في أنهما أضاعا فرصًا عديدة سنحت أمامهما، إلا أنهما رفضاها لعدم تطابقها مع المعايير المرتفعة التي وضعوها، وهكذا ينجح الشيطان في أن يُعرقل وجود هذا الكيان الأسري!!
-
وإن كان الرب خلق كل الكائنات ”ذكر وأنثى“، إلا أننا نلاحظ أن معظم التكاثر يتم جماعيًّا، دون أن يتقيد الذكر بأنثى واحدة.
-
لمتابعة الأفكار يُرجى قراءة تكوين 38.